الفَلسَفَةُ المَعنَوِيَّةُ لِلمُحَرَّمَات
الروح, النفس, الوجدان, الذات الداخلية للإنسان ما هي إلّا مرادفات لما يشتمل عليه التفسير في ما يحمله البشر من تفاعلات بدواخلهم، تنتج عنها مجموعة السلوكيات الكفيلة بتصنيفهم في ضمن مجموعة البشر. (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)/ (التين:4). خلقنا فأبدع جلّ وعلا في خلقنا، وجمَّل تلك الخلقة بالعقل الباطني، والذات المعنويةٌ رقيقةُ وشفافة في نظمها، تزاول ذات اليمين وذات الشمال إذا لاحت في الأفق ما يبعِّد بينها وبين خالقها. في مكنونات نفوس بعض الخلائق تتوارد تساؤلات تكاد تكون البوابة لإدراك الفلسفة المعنوية والنفسية للمحرمات في حياتنا اليومية، فهناك مَن استهوت روحه الموسيقى وضرب من الطرب, فتغلفت ذاته الداخلية بمشاعر صارت كالحجاب أبعدته عن ذاته الخارجية. هنا تتشكل من الوجدان صورة القوى الجاذبة التي تستقطب لصاحبها كلّ ما هو سلبي من طاقات ومشاعر وأفكار متمازجة ما بين الحزن والألم والذكريات التي ما أرادت النفس تذكّرها إلّا بعد سماع تلك الألحان. بدأت هذه الروح النقية التي هي من الله تعالى تتعكر صفوتها شيئاً فشيئاً في ضوء ذكر ما يبعد الإنسان عن الشعور بالسكينة والطمأنينة، لن يستثني قلمي ذكر تلك القوارير التي لم تجد في ذاتها الداخلية التقبل والاحترام لشخصيتها، فرأت من التبرّج والتجمّل للعوام سلاحاً لإشباع حاجة الرضا الداخلي، ولكنها إضافةً إلى هشاشة هيكل روحها قد أضافت الاستكانة إليها عندما جعلت من نفسها عرضة للسعة العيون الجريئة. تدور كلماتي لتقف بعد ذلك عند الأرواح التي رأت في نفسها الإغداق بالمشاعر والإفاضة بالأحاسيس الفاقدة لمَن يوجهها ويوظفها في مسارها الصحيح, فهنا تحدث الهفوات وهنا تقع النفوس في شباك علاقاتٍ قد خلت من رضا الرحمن, أغرقت هذه النفس محبوبها بكلّ ما أوتيت من العواطف ومشاعر الحبّ قبل البدء بحياتهم الزوجية, شحت وانتهت هذه المشاعر عندما شرعوا بحياتهم المشتركة الزوجية, فصارت حياتهم كتلةً تدور حولها الطاقات السلبية, واضعة إياهم في محض استفسار عن ماهية الأسباب التي قلبت تلك المشاعر الجياشة إلى مشاعر كره ونفور من بعضهم بعضا! هنا تأتي حكمة ربّ العالمين من تحريم مثل هذه العلاقات, فربنا هو الأعلم وهو أحكم الحاكمين. وأمّا النفوس التي انشغلت بالنظر لما عند غيرها وتركت شخصها وهملتها، إذ أودعتها للأقدار والأيام تبني لها بنيانها، فهي قد تشبعت بمشاعر سلبية, وطاقة شر إذ ارتحلت منها حالة السلام الداخلي. عن الإمام علي (عليه السلام): «طوبى لمَن شغله عيبه عن عيوب الناس، وطوبى لمَن لزم بيته، وأكل قوته، واشتغل بطاعة ربّه، وبكى على خطيئته، فكان من نفسه في شغل، والناس منه في راحة».(1) فبضرب مثل هذه الأمثلة وغيرها من أمثلة المحارم التي كرّمنا الله (عزّ وجل) ونهانا عنها, يستبين للمنقّب عن الكمال الروحي أنّ وراء كلّ محرّم مدعاة لضعف التكوين البنياني والجوهري للذات. مَن عرف نفسه عرف ربّه, إذن مَن قدر على ارتقاء سُلم النجاح خلال مسيرة حياته استضاءت له عظمة تدبير ربّ العالمين في وضع القوانين والحكم المُسيّرة للبشر على النهج القويم, ولكن مَن هوت نفسه خلاف ذلك فقد خسر روحه، وخسر تلك الرحمة الإلهية، والله هو التوّاب وهو أرحم الراحمين. ....................................... (1) مستدرك سفينة البحار: ج1، ص498.