رياض الزهراء العدد 105 لحياة أفضل
النِّصفُ الآخَر _ المقياس الحقيقي
طرّزت أمنياتها بطيفه.. ظلّت ترقبه عن كثب علّها تحظى بالقبول.. تسمع كلمات الإطراء من صويحباتها اللّواتي يعجبهنّ سيارته، وسامته، تسريحته، طريقة ملبسه.. أخذتها أحلامها إلى لون الزّهر الجذاب الذي أضفى إلى قلبها البهجة.. تحلم بأن تشتري أرقى الملابس من أرقى الماركات الأجنبية.. تزهو وتتألق ببريق الحلي الذهبية النفيسة.. تسافر وتسيح في بلاد عديدة، وتستمتع بكلّ لحظات حياتها.. تتجول بالسيارة الجميلة الراقية التي سلبت لبّها.. تتباهى أمام رفيقاتها بكلّ الهدايا التي ستحصل عليها.. وصلت رحلة خيالها إلى حيث القصر الرائع الذي يحوي من الأثاث ما يخلب الألباب.. وإلى أفنيته وحديقته الغنّاء التي تبدو وكأنها بستان مصغّر يحوي من خيرات الله (عزّ وجل).. وبينما هي على هذا الحال أفاقت على منظر هزّ كيانها، إذ مرّ من أمامه عامل البلدية وهو ينظف الشارع من القمامة التي كان يرميها هو وأصدقاؤه وقام بالاستهزاء به عن طريق رمي الأوساخ بشكل استفزازي، ونثرها على طول الشارع الذي أكمل تنظيفه العامل المسكين.. استوقفها هذا المنظر الرهيب الذي صدمها، واستذكرت أقوال كبار السنّ: إنّ المال يُفسد أخلاق بعض الشباب.. نعم ها هي ترى ذلك بأمّ عينيها، تغيّرت تلك الصورة الجميلة التي رسمتها في مخيلتها عنه تماماً قبل لحظات.. لقد كشف هذا الموقف الكثير من خبايا نفس هذا الشاب (الغرور المقيت - الاستهزاء بالآخرين - عدم تقدير الجهد - اللامبالاة).. قام العامل بإعادة تنظيف المكان وهو محاط بآلامه التي لا يستطيع أن يبوح بها، التقط شيئاً من الأرض ولحق بالشاب المغرور وسلّمه هويته التي وقعت منه في أثناء نثره للقمامة، صُعِق الشاب وظلّ مبهوتاً لا يعرف ماذا يفعل، فقد علّمه هذا العامل درساً لن ينساه أبداً.. تأثرت بفعل العامل النبيل الذي لم يكن يملك إلّا نبله وأخلاقه وأمانته التي جعلته يبدو وسيماً، وقارنت بين فعل الشاب المغرور وبين فعل هذا الإنسان النبيل، فوجدت أنّ كفة أخلاق العامل رجحت على كفة أموال الشاب المغرور، وأنّ الأموال ما هي إلّا وسيلة للعيش الكريم، وليست كلّ شيء.. غيّرت هذه الحادثة نظرتها لاختيار شريك حياتها، فوضعت نصب عينيها أن تبحث عن الخُلق الرفيع أولاً، وتجعله مقياساً لذلك الاختيار..