مَاذَا قَدَّمَتْ المَرَأةُ فِي فَتوَى الوُجُوبِ الكِفَائِيّ؟
حرصت المرأة منذ عصر الرسالة على أن تدخل كافة الميادين، وتقتحم جميع المجالات، وأن يكون لها حضور موازٍ لحضور الرجل سواء كان في التبليغ أم الحروب، فقد رأيناها في التبليغ تشارك في نشر رسالة الإسلام وتبليغ أحكامه، ورأيناها في ميادين الحروب تآزر المقاتلين وتقوّي من عزيمتهم، إضافة إلى عملها في تضميد الجرحى، وغيرها من الأدوار المتعددة التي شاركت بها، فلم يستثنها التاريخ، بل سجل مواقف حافلة لبعض النساء الخالدات الّلاتي كان لهنّ دور مشرف وموقف بطولة وإصرار. وما تزال المرأة كالسالفات في الأزمان الماضية حريصة كلّ الحرص أن تقدّم للمجتمع المعونة والمساعدة بحسب استطاعتها ومع ما يتناسب كونها امرأة، ومنذ أن أصدرت المرجعية الرشيدة فتوى الوجوب الكفائي دأبت المرأة في أن تقدّم أغلى ما تملك في سبيل دحر الأعداء المتخذين من الإسلام غطاء يتسترون به على ظلمهم وكفرهم، فحينما تشهد الظلم والفساد والإرهاب نراها تارة تقدّم الدماء وتارة تقدّم المساعدة المادية والمعنوية، ولم تكتفِ بذلك فقط، فقد شاركت المقاتلين في سوح القتال فداءً للوطن. ولأجل بيان الدور العظيم لبعض النساء ارتأينا أن نتعرّف عن كثب ماذا قدّمن؟ وما هي الغاية من ذلك؟ فكانت بداية حوارنا مع السّيّدة (أم اسعد)، تلك المرأة ذات الإرادة القوية الصلبة التي جذبت انتباه الكثيرين بكرمها وعطفها وسخائها في مساعدة عوائل شهداء الحشد الشعبي، فقدّمت الكثير لمساعدة عوائل الأبطال، فنتيجة لما مرّت به من ظروف الحياة القاسية بفقد ربّ أسرتها الذي استُشهد دفاعاً عن الوطن أحست بكلّ عائلة منكوبة فقدت معيلها، فبعد أن تعرّفنا عليها عن قرب، وعلمنا أنها والدة شهيد لم يمضِ على استشهاده عامٌ حتى نذرت نفسها أن تتكفل ببعض أيتام عوائل شهداء الحشد الشعبي، وأردفت قائلةً: الحمدُ لله أن رُزق ولدي الوحيد الشهادة، ورُزقت أنا لقب والدة الشهيد، فأنا عاهدت نفسي أن أرعى الأيتام وأوفر لهم ما يحتاجونه من مأكل وملبس ومشرب؛ كي لا أُشعرهم بنقصٍ من فقدهم والدهم. والتقينا بالسّيّدة (ساجدة عبد علي) الملقبة بـ (أم عباس) التي تبلغ من العمر أربعة وأربعين عاماً، فقد دفعت أولادها الثلاثة للخروج إلى جبهات القتال والدفاع عن الوطن، وتساند أولادها بالدعاء لهم وللجيش والحشد الشعبي بأكمله، فقد عقدت في بيتها جلسة دعاء مع بعض جاراتها تتضمن الدعاء للمقاتلين الشجعان، وعمل ختمات لقراءة القرآن الكريم للشهداء الذي يسقطون دفاعاً عن العرض والوطن، وشاركتنا الحديث قائلةً: لو لم يكن أمر الله تعالى يمنع الجهاد للمرأة لكنّا مع الرجال في الدفاع عن الوطن، ولذلك ألزمنا وأمرنا الله تعالى بالبقاء في البيت، وأنا في بيتي قمتُ بعمل جلسة دعاء وقرآن، فإنّ كلّ شهيد يستشهد في أيّ مكان يخبرني أولادي الثلاثة لنقوم نحن النساء بالترحم عليه وإقامة صلاة الوحشة وإهداء ختمات من القرآن الكريم وبعض الأدعية له، وهذا أقلّ شيء نقدّمه لهم مقابل ما يقدّمونه من أرواح ودماء. أمّا ما قدّمته الحاجة (أم حيدر) للوطن فهو أعظم وأكبر، إذ دفعت بأبنائها الأربعة للجهاد استجابةً لنداء المرجعية الرشيدة، وحينما وصلها خبر استشهاد ابنها البكر (محمد) حمدت الله (عزّ وجل) وسألته أن يرزق أبناءها البقية الشهادة، فلم تجفّ دموعها حتى ثكلت بالاثنين الآخرين (جعفر وضرغام) وهم في ريعان شبابهم، فصارت كلّما أصبح الصباح وأمسى المساء تسأل الله تعالى أن يكتب لابنها الرابع الشهادة، وأن يستعجل بها لتقرّ عينها بشهادته قبل أن تفارق الحياة، ولتكون يوم القيامة مع السّيّدة الزهراء (عليها السلام). مهما تنوّعت وقفة المرأة في هذا الخصوص إلّا أنّ أبسط ما تقدّمه يُسمى إنجازاً تشكر عليه فـ (أم أياد) لم تنم الليل وهي تفكر في أيّ وسيلة لتشارك المجاهدين الأبطال في ساحات الوغى في دفاعهم عن أرضهم ومقدّساتهم، وقد استرسلت معنا في الحديث قائلةً: فكّرتُ كثيراً حتى توصلت إلى هذه المبادرة البسيطة بصنع بعض المأكولات البسيطة في كلّ أسبوع ليوصلها زوجها إلى بعض القطاعات العسكرية للحشد الشعبي القريبة من منطقة سكننا، فأقوم بعمل أعداد كبيرة من أنواع الكبة والكيك وما شابه ذلك من الأكلات الخفيفة والسريعة، وأضافت متحدثة: اعتدت على عملي هذا طوال عام كامل وأنا مسرورة به جداً، والأموال التي تأتيني لهذا المشروع البسيط هي تبرعات من بعض المؤمنين للحشد الشعبي، وهذا أبسط ما يمكن أن يقدّم لهم. وبيّنت لنا السّيّدة (أم حسن الموسويّ) عن موقفها المشرّف في مساندة مقاتلينا الأبطال قائلةً: خلال هذه المدة التي أُعلن فيها الوجوب الكفائي قمنا وبمساعدة بعض الأخوات بفتح مؤسسة خيرية تعنى بعوائل الحشد الشعبي وتوفير ما يلزمهم من وجبات غذائية ورواتب شهرية ذات مبلغ رمزي صغير، وما يحتاجونه من أجهزة كهربائية، فعن طريق دخلنا الخاص ندير هذه المؤسسة، فنحن حريصون على مساعدة هذه العوائل المجاهدة بكلّ ما تحتاجه، وشملت هذه المساعدات جميع عوائل الحشد الشعبي من المقاتلين والشهداء. لم تُستبعد المرأة من كافة نواحي الحياة مهما حاول بعضهم، فهي النبض الحي للمجتمع، فلم يقتصر دورها على متطلبات البيت فقط، وإنما حملت على كاهلها مسؤولية الوطن كما حملها الرجل، فبوجودها وجد للحياة معنى لتبقى تتصدر اللوائح في مشاركتها الرجل من قريب أو من بعيد في الكثير من المواقف التي تتطلّب وجودها وحضورها، ومهما اختلف وتنوع دورها يبقى هدفها السامي حافزاً لها، فسعت مناصفة مع الرجل إلى تحقيق حضور قويّ في خدمة الدين والوطن والمجتمع، حتى إن لم تقدّم أي إنجازٍ أو عملٍ يُذكر، يكفِها فخراً أن تلد الأبطال الذين هم سور حماية للوطن.