رياض الزهراء العدد 119 أنوار قرآنية
شَذَرَاتُ الآيَات_ 13
(وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا * وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا)/ (النساء:15، 16). لمّا بيّن الله تعالى (حكم الرجال والنساء في باب النكاح والميراث) بيّن حكم الحدود في النساء إذا ارتكبن الحرام فقال: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ..) أي اللاتي يزنين من الحرائر من نسائكم فأشهدوا عليهن أربعة منكم: أي من المسلمين، وهنا يخاطب الحكّام والأئمة، ويأمرهم بطلب أربعة من الشهود عند عدم الإقرار، وقيل هو خطاب للأزواج في نسائهم: أي فأشهدوا عليهم أربعة منكم. ثم قال تعالى: (..فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ..): هنا رتب الإمساك وهو الحبس المخلّد على الشهادة لا على أصل تحقق الفاحشة، وإن علم به إذا لم يشهد عليه الشهود، وهو من منن الله (عزوجل) على الأمة. غير أنه لم يعبّر عنه بالحبس أو السجن، بل الإمساك لهنّ في البيوت، وهذا أيضاً من واضح التسهيل بالسماحة. أمّا عن قوله: (..حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا): يستفاد من هذه العبارة أنّ هذا الحكم في حقهنّ (أي الحبس الأبدي للمحصنة الزانية) سيستمر إلى الأبد حتى يأتي أجلهنّ، أو يعيّن لهنّ قانون جديد من جانب الله (تعالى)، وأمّا ما احتمله بعضهم من أنّ المراد من قوله تعالى: (..أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا): فهو أن الله (عزوجل) قد جعل الرجم للمحصنات والزانيات فيما بعد، وسيكون بذلك سبيلاً لنجاة السجينات للخلاص من هذه العقوبة، وهذا احتمال مردود، لأنّ لفظة (..لَهُنَّ سَبِيلًا) لا تتلاءم أبداً مع مسألة الإعدام بالرجم، فعبارة (لهنّ) تعني: ما يكون نافعاً لهن، وليس الإعدام سبيل لنجاتهنّ. يستفاد من ذلك أن هذا الحكم مؤقت؛ لذا ذكر في بداية الأمر أنه سوف ينزل في حقهنّ قانون جديد وحكم آخر في المستقبل (بعد أن تتهيأ الظروف والأفكار لمثل ذلك)، حينها سيتخلص النساء اللاتي شملهنّ هذا الحكم من السجن إن كنّ على قيد الحياة، وليس الخلاص من السجن إلا بسبب إلغاء الحكم السابق؛ لذا سيكون الحكم الذي سيصدر فيما بعد مهما كان سبباً لنجاة هؤلاء السجينات. فكان المراد من عبارة (..أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا): أي يجعل لهنّ أمراً آخر غير الحبس، وقد نزلت آية الحدود في سورة النور الآية (3) وهي قوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ..(، فارتفع حكم الحبس في البيوت، وما ورد في الأخبار أن آية الحد هي ناسخة لآية الحبس، والمراد به أن حكم الحبس ارتفع لانقضاء أمده، لأنه كان مؤقتاً بجعل السبيل. ثم إنّ الله تعالى بعد ذلك يذكر حكم الزنا عن إحصان، فيقول: (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا..) والقصد أنّ الرجل غير المحصن والمرأة غير المحصنة إذا آتيا بفاحشة الزنا فآذوهما، والآية وإن كانت لا تذكر قيد (عدم الإحصان) صراحة إلّا أنّ هذه الآية جاءت بعد ذكر حكم المحصنة وعقوبتها التي تختلف عن هذه العقوبة التي هي الإيذاء, ويستفاد منها أنها واردة في حقّ الزنا عن غير إحصان, وهذا لا يدخل في ضمن عنوان الآية السابقة؛ لذا المقصود بـ (اللذان) الرجل والمرأة، وأنّ عقوبة الإيذاء عقوبة كلية، ويمكن أن تكون الآية الثانية من سورة النور التي تذكر حد الزنا وهو (100) جلدة لكلّ منهما توضيحاً لهذه الآية, وتعييناً للحكم الوارد فيها. .................................... (1) مجمع البيان: ج4، ص40. (2) الميزان في تفسير القرآن: ج4، ص240-241. (3) تفسير الأمثل في كتاب الله المنزل: ج3، ص90-91. (4) تقريب القرآن للأذهان: ج1، ص453. (5) تفسير الأمثل في كتاب الله المنزل: ج3، ص91-92.