رياض الزهراء العدد 119 تنمية البشرية
عَائِلَتِي بَينَ الحَاءِ وَالبَاء
قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)/ (الروم:21)، إذ تسنّ هذه الآية دستوراً خاصاً للعائلة السعيدة، ونستطيع أن نجمع الأهداف بين حرفين (ح، ب) فالعائلة الهادئة السعيدة يحيطها دفء وحنان بإحاطة هذين الحرفين. عائلتي بين الحاء وهو الحوار، والباء البنّاء. سنغوص في بحر الحوار البنّاء، ونستمتع بالدُّرر التي تنثرها الكلمتان على أرجاء أفراد العائلة. الغرض من الحوار البنّاء هو بناء جسور المحبة والتآلف بين الأفراد، فالأب والأم عندما يتحدثان بالطريقة الجميلة الهادئة التي تنمّ عن انسجام وحبّ بينهما تنتقل هذه المشاعر إلى الأطفال، فنلاحظ أنّ تعامل الأطفال مع بعضهم بعضاً يُبنى على الحبّ والاهتمام وعدم الإيذاء، ويتمّ من خلال هذا الجسر عبور كلّ القيم والمفاهيم، وكذلك الأهداف التربوية السامية من الآباء إلى الأبناء بكلّ يسر وسهولة. يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "أجملوا في الخطاب تسمعوا جميل الجواب".(1)، فاستخدام العبارات الجميلة والمريحة يجعل المقابل يردّ الجواب لنا بأجمل منها، فالإنسان عادةً يميل إلى الكلمات الجميلة واللينة، فتستقرّ في القلب وتورق عبارات أعذب وأفعال مريحة للآخر، قال الإمام علي (عليه السلام): "عوّد لسانك لين الكلام وبذل السلام، يكثر محبوك ويقلّ مبغضوك".(2) والحوار البنّاء لا يختص فقط بين الوالدين، بل من المهم أيضاً أن يتحاور الوالدان مع الأطفال بطريقة ايجابية، وهي الوسيلة التي تبني ثقة الطفل بنفسه وتمنحه قوة الشخصية والقدرة على التعبير عن آرائه، فيتمكن الوالدان من معرفة ما يدور في ذهن الطفل من أفكار وتساؤلات، كما قال الإمام علي (عليه السلام): "المرء مخبوء تحت لسانه"(3)، فعند إشعار الطفل بالأمان وأنّ هناك فسحة للحديث بحرية سيعبّر الطفل عن كلّ ما يجول في خاطره، وتكون أولى الخطوات للوصول إلى حلّ عند حدوث أي مشكلة، ويكون الوالدان هما السند والملجأ وصمّام الأمان للتنفيس عن المشاعر السلبية لدى الأطفال. تجدر الإشارة إلى أهم النقاط الواجب مراعاتها للوصول إلى الحوار البنّاء: 1. احترام المتحدّث مهما كان عمره، وترك المجال له للتعبير عن رأيه بكلماته الخاصة. 2. تجنّب إلقاء اللوم والتذكير بالأوامر والنواهي السابقة التي لم ينفذها الطفل. 3. عدم السخرية من الطفل في أثناء الحديث سواء من ناحية الأفكار المطروحة أم في حالة وجود مشكلة في النطق. 4. تقديم الشكر للطفل على أفكاره، وذكر النقاط الجيدة التي لم يذكرها، وتقويم النقاط السلبية بطريقة غير مباشرة. 5. إتقان الاستماع الفعّال، وهو أن يستمع الوالدان بشكل كامل إلى الطفل، ويحاولا ترك كلّ ما يشتت المتحدث لمدة بسيطة مع ضرورة التواصل البصري؛ لنساعده على إخراج ما بداخله بهدوء. 6. اختيار الأهداف المشتركة الخاصة واستخدام اللين وسعة الصدر في الحوار، قال تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى(/ (طه:132) فحين تتم مراعاة الأمور المذكورة آنفاً ستُحاط العائلة بشعاع من الحبّ الذي سينثر أريج عطره على الأفراد ليصل إلى المجتمع بعون الله تعالى. بهذان الحرفان فقط جُمعت أهم قواعد السعادة والاطمئنان الأسريّ. ........................... 1. ميزان الحكمة، ج9، ص77. 2. ميزان الحكمة، ج9، ص77. 3. ميزان الحكمة، ج4، ص15.