رياض الزهراء العدد 119 لحياة أفضل
لِلمَرأَةِ جِهَاد
كلّما أرادت أن تقترب منه تذكرت صراخه وسبّه وشتمه لها أمام الأولاد والأهل وبلا سبب.. وكلّما أرادت أن تسامحه وتفتح صفحة جديدة معه تذكرت لحظات خيانته بالنظر لهذه وتلك، وكأنه مراهق لا زوجة له.. وكلّما حنّ القلب إلى دفء وملجأ ومأوى تذكرت ضربه لها بين آونة وأخرى.. جروح لا تنتهي تنزف وبشدة، والقلب يحتاج مؤنساً ومسلياً بسنوات العمر الطويل.. إن تحدثت استصغر حديثها.. وإن ناقشت أسكتها.. وإن خرجت منعها.. أتُرى يستطيع القلب أن ينبض بالحبّ له بعد كلّ ذلك؟ لكنها ما تزال وفية وبقمة الأدب معه.. لا تذكره إلّا بخير، ولا يعرف الأولاد والأهل من قسوته وسوء المعاملة إلّا ما ظهر منها.. فهي تُخفي وتُسامح، لأنه زوجها وأب أبنائها.. كانت تأمله بشكل آخر، متفهماً شاعرياً محباً هادئاً متعاوناً متسامحاً، لكنها وجدت الأضداد به.. وهي ما تزال فخورة به، رافعة لشأنه، داعية له بكلّ مكان وزمان، متحبّبة إليه متذﻟّلة بين يديه؛ لأنها تعلم أنّ للمرأة جهاداً.. وأنّ للقلب عناداً.. وأنّ للجذوة اتقاداً.. نعم لم تغيّرها السنون، ما زالت هي تلك الحنونة الهادئة المتسامحة التي لا تزيدها شدة الظروف إلّا رقةً وعطفاً.. صورة طالما وجدناها بعيون أمهاتنا وجدّاتنا, وتحملهنّ شظف العيش، وصعوبة الحياة، وفداحة الألم.. تجمّع الكلّ حولها وتقصُّ للأحفاد ذكرياتها بصوت الحنان والأمان الذي حُرمت منه.. تدفئهم بعاطفة لا مثيل لها على الرغم من أنّ مَن يسمع ما مرّت به يتعجب لبقائها بذلك النقاء والصفاء.. حروب, جوع، ألم، سوء تعامل، فقر، فقدان, خوف، ظروف تهدّ الجبال, لكنها ما زالت صامدة وتحمل إشراقة طفل بجسد تعب ونظرة أمل لغد قد تكون به هي بين طيات التراب.. ما أروعهنّ أولئك النسوة أمي وأمك وجدتي وجدتك.. تُرى لماذا لا نرى لوفائهنّ نظيراً؟ ولماذا لا نرى لعطفهنّ مثيلاً؟ على الرغم من أنّ الظرف قد تحسّن والحال قد تغيّر إلّا أننا ما نزال نشعر بذلك العبق الهادئ رغم تغيير الزمان والمكان..