رياض الزهراء العدد 119 الحشد المقدس
هَمَسَ بِأُذنِهَا وَهوَ يَمسُدُ شَعْرَهَا
يذرع الغرفة ذهاباً وإياباً, يقلّب يديه يميناً وشمالاً، ربّما أُغلق باب الرجاء بوجهه.. لقد دقّ ناقوس الجهاد وعليه التلبية.. عبر زجاج النافذة تنساب إلى أُذنه جَلَبَة باعة الشارع, توقد في ذهنه فكرة.. يجيل النظر ملياً في أرجاء الغرفة, يذرعها مراراً, لا يقرّ له قرار.. اتكأ على زنده، بدا قلبه كقارب يتقاذفه الحزن والألم.. -أمّاه فاطمة, أنيري دربي، أرشديني.. تتسع دوائر الرؤية أمام عينيه (وكأنه بانت له خفايا الأسرار(.. تعلّقت عيناه على (أسطوانة الغاز).. جاءه الغوث, لحظات حصل على دنانير زهيدة قبال (الأسطوانة).. ها هو قلبه يركض فرحاً في صدره.. لقد أمّن مؤنة السفر نحو مبتغاه.. حقيبته تنتظره خارج الدار.. وخلف الباب بدا شبح امرأة ناب عن كلماتها الدمع، طوقت يده بيديها المرتجفتين.. صوت جارح خارج من صميم الكبد, تتبخر كدموع الندى عن وجنات الأزهار.. فالكلمات لا تنقاد لهم, وخمسة زنابق صغيرة ترقب الموقف بصمت, لا تجد فسحة لتبدي فيها مكنونات صدرها . لزت(1) به صغيرته وفي عينيها سؤال.. أنحنى لها, أبعد شعرها الفحيم الأجعد عن عينيها، طبع قبلة على جبينها.. في اللحظة تلك كلّ ما أراد البوح به لها بدا ينسل من بين يديه.. بقيت كلمات اختصرت كلّ تلك المسافات بين الكلمات.. همس بأذنها وهو يَمسُد شعرها.. ذاهب لأشتري لك وطناً آمناً.. لوهلة شعر بانسحاق قلبه بنظرة عينيها الكسيرتين.. مخاوف تساور الجميع لكنه ما حلّ حتى ارتحل حين دست زوجته ورقة في جيبه.. امتطى صهوة شجاعته ورجولته مسرعاً حيث تتوق روحه.. في كبد الظلمة ومن كبد المعركة انقشع الغبار عن وجه المعركة, وقد بانت تيجان الأزهار وهي تستزين بقطرات قرمزية تبعث برسائل أريجها العذب ممزوجة بدم شهيد قد انعتقت روحه من سجنها لترتع في رياض الخلد, وأصابع تضغط على ورقة زينت بقدس دم كتب عليها (أمّاه فاطمة اشمليه بعنايتك). ..................................... (1)لزّ بفلان: لَزِمَه.