رياض الزهراء العدد 119 مناهل ثقافية
شَهِيدَةٌ مِن بِلَادِي الشهيدة - نوال بولص
قال رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله): "أيّها الناس إنّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها ألا إنكم من آدم (عليه السلام) وآدم من طين، ألا إن خير عباد الله عبد اتقاه".(1) فارستنا هذه المرة من مدينة الموصل فهي طبيبة مسيحية، الدكتورة (نوال بولص) امتلكت من الإنسانية والرحمة ما جعلها تعمل بكلّ ولاء لإنسانيتها أولاً قبل أي شيء آخر، وتوظف ما تعلمته في كلية الطب في خدمة أبناء مجتمعها، ومع أنّ الفرصة كانت سانحة لها لأن تترك العراق وتذهب إلى أي بلد أوربي تعيش برفاهية بعيداً عن الظروف السيئة التي تحملتها في الموصل إلّا أنها عشقت تراب الوطن، ولم تستطع مفارقته على الرغم من قساوة الأوضاع. لم تستطع أن تفارق مخيلتها المناظر الوحشية التي سادت مدينتها (قتل بالجملة، سبي، رجم، حرق، اعتداء، هتك الحرمات، جلد، محق الطفولة.. إلخ)؛ ولذلك فهي لم تستطع أن تعالج جرحى الدواعش وهم يقتحمون المشفى الذي تعمل فيه، رأت في جرح كلّ واحد منهم جرح العراق، رأت تلك النسوة اللاتي تعرضن للاعتداء بكلّ أنواعه، ورأت صور الأمهات الثكالى، ورأت براءة الطفولة وهي تُستباح، ورأت كيف تم القضاء على أبناء جلدتها، فمنهم مَن هاجر ومنهم مَن قُتِل بحجة الكفر، والنساء بيعت في أسواق النخاسة، ومنهم مَن هم مثلها تعيش في كلّ لحظة كابوساً جديداً، وهي عاجزة عن الصراخ في وجوههم، لم تستطع مقاومة هذه المشاعر ولم تستطع إلّا أن ترفض علاج هؤلاء الأنجاس، ولِمَ تعالجهم؟! لكي يعودوا يطوفون بها في الأسواق أم ليكملوا اعتداءاتهم الآثمة من السرقة والقتل واستحلال بلادها؟ هذا كان موقفها، أمّا هم فقد قاموا باختطافها مع طبيبين آخرين رفضا تقديم العلاج، وبعد ثلاثة أيام تمّ العثور على جثمانها بجوار جامع النبي شيث (عليه السلام)، وعليه آثار التعذيب بأبشع الصور الإجرامية. ............................... (1) الكافي: ج8، ص246.