إِنّهُم يَزرَعُونَ القَدَّاح

هناء الخفاجي/ ذي قار
عدد المشاهدات : 214

أيقظها للصلاة، تململت في فراشها الدافئ بعطره، تأملته بعينيها الناعستين، نهضت رويداً رويداً وقفت أمامه هامسة: (أدع لي الله تعالى أن يجعلني حوريتك في الجنة)، ابتسم وهو يطوي سجادته: (وهل أرضى بحورية غيرك بدلاً؟!) ترقرقت دمعة ساكبة استقرت بين كفّيها، امتزجت بمناجاة خفية. داعب صغيرته في مهدها، حملها، قبّلها: (برعمي الجميل سيبقى عطرك يرافق عطر بارود سلاحي لآخر رمقي)، ناولته الحقيبة وهو يناولها الطفلة، وصيّتي لكِ أن تهتمي بـ (قَدّاح) برعمنا الصغير، اسقيها الثقة وعزة النفس والعفة، وحصّنيها بالعلم والمعرفة، واجعلي منها زهرة يانعة فيها كلّ صفات الجمال، وتحلّي بالصبر حتى نلتقي. تبسمت وعلى ثغرها حديث ذو شجون، أعادها شريط الذكريات إلى (فرحتها باللقاء الأول - بالشاب العائد من أحدى الدول بشهادة الهندسة - في عقد القرآن الذي نسج بينهما أواصر المودة والرحمة، تقاسمت معه الحياة بدقائقها، وعندما استغاث بهم الوطن وضع يده بيد والده وأصدقائه ملبين النداء، مضحين بالعمل، والبيت، والعائلة، فالوطن أغلى من كلّ شيء. وضعت أمّه المصحف على رأسه، تمتمت بدعاء الأم لولدها، قبّل رأسها ويديها، دست أخته علبة في حقيبته: (عملت لكَ المعجنات - اﻟﻛﻟﯾﭼﺔ - التي تحبّها) انضمنّ لعناقه، ودعنه بالصلوات ورشة ماء خلفه. اعتاد والده أن يقطف خمائل ملونة من حديقة المنزل يهديها للمقاتلين، قدّم له وردة وهو يربت على كتفه: (انظر إلى زهرتك كيف أعطت رونقاً للحديقة بألوانها الجذابة ورائحتها العطرة، أخذها برفق، شمّها بعمق) لي معها ذكريات لا تُنسى، الدراسة، والأصدقاء، والأماكن والطبيعة الخلابة، أهداها لي صديقي في الغربة، أسميتها قَدّاح لرقتها وتناسق ألوانها وعطرها الفوّاح، أوصيكم يا أبي إذا نلت الشهادة أن تزرعوا (القَدّاح) حول قبري، (قطع حديثهما رنين الجوال، نظرا لبعضهما! لا يتأخر عن موعده أبداً) حمل حقائبهما بيد وأمسك بيده الأخرى يد والده, انطلقا مع رفاق الجهاد بسيارتهم التي تسابق خيوط الفجر للحاق برفاقهم المرابطين على السواتر المروية بدمائهم الطاهرة.