رياض الزهراء العدد 119 منكم وإليكم
هَمْسُ الوَسْوَاس
بعيداً عن مسامع الزمن كان وما زال منذ الأزل هناك همس يجتاح دهاليز روح البشر، كريح تطوف بوادٍ حزين يتكاثر في الدم، يحاول زلزلة جدار الإيمان ليصنع في ظلمات النفس حكاية جديدة. يرنو الوسواس الخنّاس اغتيال الفضيلة، ويخنق الصدر بآهات الرذيلة، فيوحي إلينا باقتراف الذنوب، ويجعل في اقترافنا للآثام حلاوة، ويزيّن لنا أفعالنا المشينة، ويغلق في وجهنا أبواب التوبة، ويبعدنا عن رحمة الله تعالى، فنعيش ونحن نتخبط في وهم على أوهام يحكيها لنا، لكن لماذا نكون نحن القربان له؟ لماذا لا نطرد ذلك الصوت من رؤوسنا؟ لماذا نجعل صدى تلك الهمسات تستل براعم الأمل فينا؟ لماذا لا نحطّم قيوده البالية بقراءة المعوذتين، فينأى الشيطان منخذلاً مدحوراً؟ نعم ستتجلّى رحمة الله (عزوجل) في آياته، فعندما يعانق العاشق سنا أنوار كلماته تدمع لها الأعين ندماً ورجاءً لأن تفتح له أبواب الفرج، فنداوي بلاءنا.. نترك أضغاث الأحلام التي رسمتها وسوسة النفس لنا، ونعيش حلاوة ذكر الله (عزوجل)، فنسقي ذلك القرين اللعين مرارة كأس من الندم، ونحطّم في دواخلنا بقاياه ونبعثره، فلن يجرّنا بعد هذا إلى طريق الضلالة، فقد وجدنا طريق السعادة، ها هنا انتهت خطرات سلطانه على قلوبنا، فلم نعد تحت رايته الزائفة، قال تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ(/ (النحل:99، 100). فلن نخافك بعد الآن؛ لأننا على يقين أنك مَن يجب أن يخاف، قال تعالى: (أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ..(/ (الزمر:36) فمعنا العزيز الذي لا أعزّ منه، ستردّ نيرانك إلى نحرك، وسيحرق لهيبها زيفك بالعيش المظلم، سنقرأ ونتعلّم من مصحف ينبض بالحياة، يدافع عن الإنسانية التي بقيت في الإنسان، إيقاع يعزف للحرية بالنصر المبين، فلقد غرقنا بنعيم القرآن الكريم.