رياض الزهراء العدد 119 منكم وإليكم
مَتَى الفَرَج؟!
صمتاً.. هي ذي جحافل السنين تتجه نحوي، بيني وبينها صحار شاسعة من ظلام وظلال، وبحار متلاطمة من دموع ودماء.. هي تمرّ بي مرّ السحاب، أو لعلني أنا الذي أمرّ، لست أدري! وتتزاحم في الأفق أشرعةٌ وألوية، تحطّم العواصف صواريها وتصعقها الأعاصير، وتلوح رايةٌ في البعيد، تكاد تغرق في الخضمّ، ولكن يد الرحمة الإلهية تتلقّفها وترفعها عالياً، فتنتصب من جديد.. سنونٌ وقرون، ألف ومائة وثمانون ونيف، كلّها تتجمع فوق الكيان المرهف، وتنسكب الدماء مع الدموع، متى الفرج؟! كم شعبانَ مرّ من هنا؟ كم دهراً مضى منذ تفتّحت براعم عينيك على هذه الدنيا الدنيّة، التي تأنس بالظلمات دون نورك، وتتخبّط في تيه الضلالات دون هداك مثلما ليل طويل آن أوان فجره، فغرق في سباتٍ من الغفلة عساه أن يطعمها بقية عمره؟ كلّما توضأ السحر بمسك بدرك صلينا نافلة الفرج، ولكن بلا وضوء، وكلما تشنّفت الأسماع بهدْيِ ذكرك هببنا وقوفاً مستعدين لنصرك، ولكن بلا سلاح.. كلّما ذُكرتَ وخفقتِ الأنفاس بوجدك تمتمتِ الشفاه بتعجيل أمرك، ولكن دون القلوب! متى الفرج؟! هو ذاك بدرك يخطّ اكتمال الهلال، وزمان انتظارك قد شاب بين جوابٍ وسؤال، فمتى تكتمل أهلّتنا ببدور الأعمال؟! متى نترجم الأقوال بالأفعال، ونعتصر ثمالة الدنيا في كؤوس الآجال، ونبرهن لك يا منتهى الآمال، أنك حقاً منتهى الآمال؟! متى الفرج؟! نعلم أنّ لا فرج طالما ننتظر بلا استعداد، ونتأهب للّقاء رغم خلوّ الوفاض، فلا ماء ولا زاد، ونصبو لشروق الشمس وقد ملأ أعيننا الكرى وغيّبنا الرقاد! كيف نستقبلك بوجوه كالحة غيّبتها الهزائم، وعيونٍ بكت على فقد الزائل قبل الدائم، وجباهٍ سوّدها السجود للملذّات كما البهائم؟! كيف يخفق قلبنا بعشقك وقد أصمّ نبضه حب سواك؟! وكيف نناجيك ونستدعيك وقد لبينا نداء من ناواك؟! واويلتاه، فلو بكينا دماً بدل الدموع لما كان ذاك شيئاً أمام بكاك، فأنت تبكي جدّك وأمك وأباك، وأمةً لم تراعِ حق انتظارك، بعدما انتظرتْ كلّ شيءٍ إلّاك! أنت تبكينا، وتبكي خيبتنا المرّة، ونحن نبكي ندماً، ثم نعاود الكرّة! مولاي.. قبل أن أسألك عن موعد لقائك، أسألك أن تغفر غفلتي عن وميض سنائك، ثم أن تسكب في فؤادي نكران الذات التي غيّبت عني وضوح بهائك، ثم أن تلفّني بقدس ردائك وتفيض عليّ بوهج عطائك، عساي أتلمس وقع خطاك، فأغتسل من أدران جفائك، وأُحرِم بنقاء نداك، وأحجّ إلى كعبة هواك، فاستحق عند ذاك أن ألهج بندائك، وأنتسب لولائك! يومها سأسأل ولن أتردّد، متى الفرج؟!