(أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)
في جو الفرح وتبادل التهاني المفعمة بشذا الحبّ والولاء للآل الأطهار (عليهم السلام)، فجأة تغيرت ملامح وجه أمّ حسين التي لطالما تلألأ بنور التقى ووقار العلم والحياء.. غشتها سحائب ألم، أمّ علي الحاضرة بقوة في تلك المجالس، قرأت بوضوح ما رسمه الحزن على وجه أختها والقريبة إلى قلبها. أمّ علي: عزيزتي، لا تؤنبي نفسك، إياك أن تترددي في قول الحق وإن كان يغضب جماعة أو يحرج بعضهم.. وأنت تعلمين أن من وسائل تقويم المجتمع هو أن نشير إلى مواضع الخطأ. اخترقت أمّ سجاد حديثهما بنكهة المزاح: أفي هذا اليوم تُحاك مؤامرة؟ لم تلقَ أمّ سجاد ردّاً كالمعتاد، فأدركت أنّ الأمر جديّ فجلست متسائلة، ما الأمر؟ أمّ علي: أختنا أم حسين يؤلمها ما يحدث في مجتمعنا من غيبة وأحاديث تافهة، ويؤلمها أكثر شعورها بترك واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أم سجاد: أنا أيضاً أتألم ويؤنبني ضميري لصمتي أو أترك المكان لأشعرهم بالرفض لفعلهم. أمّ حسين: ولكن قد لا يفهم الجميع أن ترك المكان هو دليل الرفض. أمّ علي: صحيح، هذا ليس حلاً ناجحاً لمعالجة هذه الظاهرة، يجب مواجهة المخطئ وإشعاره بفداحة ما اقترف في وقتها. أمّ حسين: هذا يسبّب إحراجاً، وربّما يؤدي إلى القطيعة، كما أنه لا يجوز جرح الأخ المؤمن أو إيذاؤه. أمّ سجاد: إذن نترك الأمر لأمّ علي، فحضورها وشجاعتها وطريقة إبداء الرأي والنصح لها تأثير واضح أكيد. أمّ علي (بكثير من الجدية): الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كلّ واحدة منّا، وهذه الظاهرة المذمومة تحتاج إلى تظافر جهودنا، ورفع أصواتنا لإيقافها والحدّ منها. أمّ حسين: إحساسي بترك هذا الواجب أكثر ما يسبّب لي الألم وتأنيب الضمير، ولكن أخشى أن لا أستطيع، أو أن أجرح أحداً. هنا تدخلت أمّ كوثر بهدوئها المعتاد: هناك طرق كثيرة لمواجهة هذه الظاهرة بدون تجريح أو إهانة، مثلا أنت يا حبيبتي أمّ حسين برقتك وثقافتك ممكن أن توقفي مَن يغتاب بالنصح والكلام الهادئ، فبعض القلوب يتسلّل النصح إليها فيقودها إلى ثورة نورانية لإعادة النظر فيما اقترفت، فالنفوس مجبولة على الفطرة السليمة على الرغم من كلّ شيء. أمّ علي: لهذا أشار الله (عزوجل) بقوله: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ المؤمنون(/ (المؤمنون:96) ويقول (عزوجل) في مورد آخر: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ(/ (آل عمران:159)، فربّما كانوا غافلين عن عظيم ذنب الغيبة. أمّ كوثر: يجب كشف الصورة البشعة للغيبة كما رسمها القرآن الكريم في قوله تعالى: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ(/ (الحجرات:12). أمّ سجاد: هناك مَن يرتدع بالوعيد والعقاب والموقف المذل الذي ينتظر المغتاب، فقد جاء في الحديث الشريف: "الغيبة إدام كلاب أهل النار".(1) أمّ حسين: بعض من الناس يرغب بالثواب ويأنس بما أعدّه الله تعالى لمَن ترك الغيبة، فعن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): "ترك الغيبة أحبّ إلى الله (عزوجل) من عشرة آلاف ركعة تطوعاً".(2) أمّ سجاد: فإن قيل إننا ذكرنا بما في ذلك الشخص من دون زيادة أو نقص. أمّ علي: هذه هي عين الغيبة، فإن لم يكن فيه فهو البهتان، وهو أشدّ من الغيبة. أمّ حسين: ربّما لو قطعنا حديث مَن يغتاب بذكر الله أو نقول أفلح من صلّى على محمد وآل محمد، فالحليم الذي يخشى الله (عز وجل) تكفيه الإشارة، أمّا إذا استمرّ الحديث فيأخذ النهي عن المنكر أسلوب الحزم، وسؤالهم ماذا لو كان مَن تغتابون حاضراً أو بحسب ما يتطلبه الموقف؟ أمّ حسين: هنيئاً لمَن ترك الغيبة. أمّ كوثر: هنيئاً لنا تجمعنا وتذكرنا أمور ديننا وآخرتنا. أمّ علي: الحمد لله تعالى. أمّ حسين: الحمد لله تعالى. ................................... (1) روضة الواعظين: ص470. (2) ميزان الحكمة: ج3، ص2329.