بَينَ المِيلَادِ وَالاسْتِشْهَاد

رجاء الأنصاري/ ديالى
عدد المشاهدات : 135

قطع الله رحمك يا بن سعدٍ كما قطعت رحمي، خنقته عبراته، واتكأ على مساند المنبر وا علياه وا أكبراه.. صوت الخطيب جلجل في أنحاء المكان، فخيّم الحزن بجنحه على الجالسين، احتضر فؤادي وأنا أنصت لنبراته المرتعشة، كانت صورة الواقعة تستحضر نفسها في مخيّلتي، فحملتني نبرات صوته ورحلت بي إلى أرض الطفوف، وإذا بـ (يوسف الحسين) ممدّد على الرمضاء، احتوشته الذئاب البشرية تمزّق أشلاءه وتقتلع بأنيابها آخر نفس له، لحظات وإذا بالإمام الحسين (عليه السلام) عند مصرع الأكبر. تراءى لي شخصان، شخص راضٍ بحكم الله تعالى ومسلّم له، وشخص رقّ فؤاده لفلذة كبده، فجلس يحتضر عنده، رأيته يقلّب ذلك الوجه الملكوتيّ، يحمله لكن ليس كما حمله لأول مرة، فبين الموت والميلاد جلستُ في زاوية من زوايا مخدع ليلى، وأنا انظر إليها وقد أشرق وجهها حين وضعته، فكان كسحب بيضاء يداعبها شعاع الشمس أو كمشعل نور يبدّد الحزن لفقد محمد (صلى الله عليه وآله)، فكان أشبه الناس بجدّه خلقاً ومنطقاً، وما كانت إلّا ساعة وإذا بالإمام الحسين (عليه السلام) أقبل كينبوع تدفّق نحو بوابة النور المنبثقة من مهد الأكبر، امتلكتني السكينة، حدقتُ ملياً فرأيتُ امتزاج دموع الفرح بدموع الحزن، فبين مهد الأكبر ومصرعه كانت روح الإمام الحسين (عليه السلام) تقطر دماً، وفي خضمّ هذه اللحظات كاد قلبي أن يبوح لليلى ما أسرع أن يُخسف هذا البدر، وتتحول لياليك إلى عتمة، وبين تراتيل الأم لوليدها وفرح الأب بقدومه ردّد الأثير صوتها، وحمله لي من داخل خيمتها، يا رادّ يوسف إلى يعقوب من بعد مغيبه ردّ عليّ ولدي. توارت تلك الصور الملونة بملامح النبوّة والدم حين ارتجّ المكان بصوت الناعي، وا سيّداه وا أكبراه.