رياض الزهراء العدد 120 همسات روحية
يَا شَهرَ الخَيرِ
قد أبصرت الهلال أكثر من مرة.. لكن ليس كهلالك يا شهر رمضان.. تسربل المكان بالصمت، ولم أتمالك نفسي من أن تفيض الزفرات.. فقد مرّت سنتان من أعمارهم الزاهية.. تمّ شبابهم وظمئت أرواح الأمهات للقياهم، تصحرت حياة أبنائهم شوقاً لضحكاتهم، وهم في ظلام يعلن رحيلاً لواصل ووصولاً لراحل.. خفقات عمرهم تُطوى، فيرحلون وتبقى الذكريات.. فكأني أرى بطلاً يروي لرفيقه ذكرى ما زالت في مخيلته لطفلة صغيرة تركض لتلقى أباها ووجهه لها يبتسم، وعيونه لها تحتضن.. وآخر يذكر عيون الأم تشعّ إيماناً وهي تبحث عنه وتتساءل، لِمَ تأخر؟ فقد حان الإفطار، اليوم تنهمر دموعها.. بُني يحبّ تناول هذا من يدي، يا شهر أليس فيك يصفد إبليس، أليست الشياطين مغلولة فيك، فما لتلك الشياطين تقتل في سماحة الإنسان. و لم تُبدِ لحرمتك اهتماماً، تسفك دماء، وتعفّر وجوهاً تحمل البشاشة والحنان.. وتبيح الذبح والحرق، قتلت فينا الأمان.. يا شهرَ الخير.. رجوتك، رفقا فلنا قلوب كأنها موج عاتٍ، وريح عاصف تصارع نزع الروح؛ لتنبض قلوبنا لنا شموعاً في حصون.. تحرق نفسها لتضيء لنا دربنا.. رفقاً بأجساد توسدت الرمال؛ لتنام عيون أطفالنا.. رفقاً بسواعد تحتمل النار؛ لتحمي أعراضنا.. ارفق برجال تستظلّ الشمس تذود عنّا.. يا شهرَ الخير، رجوتك رفقا برجال يحيون لياليك.. يرجون الشفاعة بترتيل قرآن، وترانيم دعائهم، رجال صامت عن الشهوات، وعن المحرمات صُمّ سمعهم وغُضّت أبصارهم، تسبيحهم سلاحهم، وهمهم عتق الرقاب ودفع الأعداء.. الشجاعة لباسهم.. الشهادة نيّتهم.. بسمة الناس سعادتهم.. براءة من النار صيامهم.. يا شهرَ الخير ارفق بأبطالنا ومقاتلينا.. واحفظهم بحرزك وبحرز بسم الله الرحمن الرحيم..