فِي فَضَائِلِ لَيلَةِ القَدْر
ليلة القدر خير من ألف شهر, هي ليلة شاءت التدابير والحكم الإلهية أن تجعل منها أفضل وأعظم من العشرات والمئات بل الآلاف من الشهور. ساعات معدودة بها تفتح أبواب جنانٍ تكاد تلامس أرواح وأفئدة مَن عرف قيمتها حقّ المعرفة, فتتسارع ذات الأرواح والقلوب الطامحة لنيل الغفران والعتق من النيران بالذكر والشكر والتهجد, نعود باللحظات والساعات إلى الوراء قليلاً حتى قبل بَدء الشهر المبارك الذي يحتضن بحنانٍ واعتناء تلك الليالي المباركة بين ساعديه, لنستوقف عند نقطة الانطلاق تحديداً في مستهل شهر رجب، فقد روى الصدوق عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: "رجب نهر في الجنة أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل. مَن صام يوماً من رجب، سقاه الله (عز وجل) من ذلك النهر"(1), ها هي الفضائل والبشائر بدأت تحلّ وتنزل شذاها على حياة من عرف قيمة الحياة وتذوق معنى النجاح في ضمن هذه المسيرة في الحياة, فمن ذكّر وجدانه ونفسه الأمّارة بالسوء وبأنه مستوقف في ضمن محطة عُرفت باسم الدنيا فلن يفرح ويسعد إلّا بالمُنح الحقيقية التي تُعطى وتوزع في هذه الأيام والشّهر الحرام ألا وهي رضا الرحمن راحت. وتباعدت أيام رجب المرجّب لتلتقي النفوس العطشى للمغفرة والرضوان بشهر هو أيضاً أراد أن تكون أيامه محرمة على مَن أراد أن تشغله المتع والشهوات الدنيوية عن ذكر الله (عز وجل)، هو (شعبان) إذ ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام): "حث من في ناحيتك على صوم شعبان، فقلت: جعلت فداك ترى فيه شيئاً؟ فقال: نعم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)كان إذا رأى هلال شعبان أمر منادياً ينادي في المدينة يا أهل يثرب إني رسول الله إليكم، ألا وإن شعبان شهري فرحم الله من أعانني على شهري".(2) ارتبط هذا بقائم آل محمد (عليهم السلام) الذي بظهوره (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً, وصارت تتسارع دقات القلوب وتقشّعر الأبدان لما صار قريباً ويلوح في الأفق، أن استعدوا يا أمة الإسلام, ها قد اقترب منكم شهر أُنزل فيه القرآن الكريم, وما هو أعظم وأجل أن تكون عيون العباد تتطلع لما هو أبعد (ليالي القدر)، وتكون الأرواح على أتمّ الاستعداد لغسل درن الذنوب بإحياء الساعات المباركة ودقائقها، فعن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، عن آبائه (عليهم السلام): أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)، نهى أن يغفل عن ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، أو ينام أحد تلك الليلة. مَن وفّق لإحياء تلك الليالي بعيداً عن ما يحول بين المرء وقلبه يستطيع أن يعدّ نفسه قد ابتدأ مسيرة الحياة للتوّ، طاهراً مطهراً بفضل الله تعالى ومشيئته. ................................... (1) مستدرك سفينة البحار: ج4، ص79. (2) وسائل الشيعة: ج7، 378.