سَعَادَتُهُم - اختيار الزوج الصالح هو إنشاء جيل صالح

رنا الخويلدي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 178

رموشه سقوف وأجفانهُ غطاء، وصدره كون وكفّاه سماء، قلبه كان جرحاً يسقي الحياة على الرغم من الألم، وصوته كان حزناً إذا التقاه النسيم ابتسم، الفكر فيه سحاب لا تدركه الهضاب، وهو بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خير أب لأولاده بل لجميع الناس؛ لأنّه أبو تراب والناس كلّهم من تراب، ذلك هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي له في الابوة نماذج عديدة منها، وصيته الإرشادية لولده الإمام الحسن (عليه السلام) التي أراد بها وصيّة للجميع الناس، فكان مطلعها: "من الوالد الفان، المقرّ للزمان.. إلى المولود المؤمل"(1)، ثمّ صار يوصيه بأمور دينه ودنياه، وهذا يذكرنا بأمور عديدة في مجتمعنا؛ لأنّ الشيء بالشيء يذكر ومن هذه الأمور هو أنّ الفتيات في الماضي والحاضر أغلبهنَّ يفضّلن صاحب المال على صاحب الدين والخلق، وبذلك فهنّ يخترن لأولادهنّ أباً غير مناسب؛ لأنّ صاحب المال يستطيع أن يضمن لأولاده أمور دنياهم، لكن لا يستطيع أن يضمن لأولاده دينهم وآخرتهم؛ فهو نفسه لا يفقه في الدين، وكما يُقال: "فاقد الشيء لا يُعطيه"(2)، وبذلك يكون قد ضرّهم بغفلته؛ (..مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ..(3)، وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى(4))، وتكون الأُم هي أيضاً قد أضرتهم بسبب طمعها بملذات الدنيا حين فضلت صاحب المال على صاحب الدين والخُلق في الزواج، فعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) لم يكن صاحب ترف، ومع ذلك رَضي به الرسول (صلى الله عليه وآله) زوجاً لابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) من بين كلّ الصحابة، ورضيت به (عليها السلام) من بينهم؛ لأنّهُ (..لا يُسْبَقُ بِقَرابَةٍ في رَحِمٍ وَلا بِسابِقَةٍ في دينٍ، وَلا يُلْحَقُ في مَنْقَبَةٍ مِنْ مَناقِبِهِ..)(5)، وبهذه الصفات كان نعم الأب لأولاده، فوجدناه (عليه السلام) يوصّي ولده الحسن وكذلك الحسين المعصومَيْن (عليهما السلام) من الزلل المطهرَيْن من الرجس، كي يتخذ الآباء ذلك عادةً بأن يوصوا أولادهم ويرشدوهم إلى الطريق الصحيح، فيطبقوا قول الله تعالى فيهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ..)(6)؛ لذلك على الفتيات أن لا تغرهنّ الحياة الدنيا في اختيار الزوج، وأنْ يجعلنَ المقياس هو الدين والخلق، فهنالك كثيرٌ من الفتيات قد تزوجنَ من شبان لأجل غناهم، وكانت نتيجة زواجهم الطلاق أو المشاحنات الزوجية؛ لأنهم سيّئوا الخلق، ولا نقول إنَّ كلّ موسر هو سيئ الخلق، لكن غالباً ما نجد العوائل الغنية يدللون أولادهم فوق المطلوب ما يجعلهم في كبرهم يفشلون في تحمل مسؤولياتهم، وتفشل حياتهم الزوجية إثر ذلك، وإلّا إذا كان الخاطب موسراً و صاحب دين وخُلق فزيادة الخير خيران، كما قال الرسول (صلى الله عليه وآله): "الكفؤ أن يكون عفيفاً وعنده يسار"(7)، وعنده يسار أي عنده من المؤونة ما يسد به الاحتياجات الماديّة للزوجة، لكن على رأس ذلك هو أن يكون عفيفاً؛ لذلك قدّم العفاف على اليسار، فعلى الفتاة أن تنتبه لذلك وتجعل حديث للنبيّ (صلى الله عليه وآله) نصب عينيها، حين قال: "إذا جاءكم مَن ترضون دينه وأمانته يخطب فزوجوه..".(8) ...................................... (1) ميزان الحكمة: ج2، ص1124. (2) فقه الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): ج1، ص49. (3) (النساء:77). (4) (الأعلى:17). (5) مكيال المكارم: ج2، ص88. (6) (التحريم:6). (7) الكافي: ج5، ص347. (8) ميزان الحكمة: ج2، ص1181.