رياض الزهراء العدد 120 لحياة أفضل
آبَاءٌ بِلا وُجُود
بلا عمل عاش سنوات من القحط والحرمان والحصار الجائر، وإذا به يترجم ذلك الحرمان ألماً وحصاراً على أسرته التي لا ذنب لأفرادها إلّا أنّه والدهم، فإن ضاعت قطرة من الماء هدراً صاح بأعلى صوته: أولاد أغلقوا الماء، وإن شغلوا (المبردة) ليلاً صاح مهدّداً متوعداً: سأحرمكم والله منها إن تعطلت، رغم أنّ العطل والعطب كان بقلوبهم الصغيرة التي لا تعرف لماذا وُجدت تلك الأجهزة ان لم تجلب الراحة لهم ليلاً.. فصعدوا بعد صراخه المتعالي والمتواصل، وفي كلّ ليلة للنوم بأعلى السطح؛ ليكونوا متقلبين في أول الليل بالبعوض المتهالك على دمائهم الطرية، وفي آخره على الذباب الذي يجعلهم مستيقظين عند السادسة صباحاً.. سنوات حياة تمرّ بأتعس حال وبواقعها المرير اليومي.. إن خرج للسوق وقفوا طابوراً لاستقباله مع صراخه المتعالي.. لمَن جلبت الطعام؟ أليس لكم؟ لمَن أتعب؟ أليس لكم؟ حتى أصبحت هذه الكلمات نشيدهم الأسبوعي الصباحي الذي يبدل الحياة تشاءماً، أما إذ دخل ضيف للبيت زائراً، فهنا حلّت القارعة، فيغلق باب غرفته مزمجراً ضجراً متأففاً متذمراً.. وبدأ صراع الأبناء والزوجة كيف يرحبون بالقادم وأبو البيت لا يحضر لذلك.. وكيف يدعونه إلى الغذاء وهو يمنعهم من استقباله لساعات؟ ألم ما بعده ألم، وعناء تلو عناء؟ لا مال ولا هناء ولا سعادة بيت، لا يعرف إلّا الصراخ، والمنع، والحرمان ملاذاً من تعب السنين، حتى إنّهم يومياً يتمنون فقده أو موته للخلاص من العذاب المهين.. ترانا نرى هكذا صور بيوت وآباء فقدوا الحبّ وتصدعت جدرانها قبل أن تنشأ.. لكن يبقى الأمل بأنّ الغد يحمل بوادر أمل مشرق خالٍ من الظلم الأبويّ..