المَذهَبُ الجَعفَرِيّ زَعيمُ المَذَاهِب
لقد رفضت الدولة الأموية الأخذ بنظام الإسلام، ودعت إلى محاربته، وارتبطت أشد الارتباط بفوضى الجاهلية، وقد تمثلت في عصرهم بأوضح صورة، ودفعوا الناس إلى التخطي عن حدود الدين الإسلامي الذي جاء بتعاليم تضمن سعادة البشر، وتحسبها النفوس الشريرة سجناً وقيداً تتمنى الخروج منه، فكانت هذه السياسة الجاهلية والعداء الأموي لآل الرسول (صلى الله عليه وآله) وقتلهم ذريته سبباً في اندلاع الثورات والانتفاضات الجماهيرية على نطاقها الواسع، وقد استلزم ذلك انعقاد الكثير من الاتفاقيات والجمعيات من قِبل رؤساء العشائر والوجهاء وعلى رأسهم بنو العباس الذين كانوا أشد الناس حماساً لإيقاد نار الثورة؛ انتقاماً من الأمويين لأبناء علي تحت شعار الدعوة إلى الرضا من آل محمد، وهم في قرارات أنفسهم يستغلون شمولهم بتسمية أهل البيت (عليهم السلام) ويخفون نواياهم السيئة ولغرض الوصول إلى السلطة، حتى نالوا ثمرة ذلك الانتصار في تلك الحروب بسبب انتحالهم تسمية أهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله)، هذه التسمية لم تكن تلاقي قبولاً عند عرب أهل المدينة التي كانت في تلك الحقبة مصدراً للفتيا ومرجع الأمة في مهمات التشريع الإسلامي؛ لذا هي مدعاة لمخاوف العباسيين على الرغم من استمالتها للكثير من العلماء والفقهاء فيها بالعطاء. انتعشت العلوم في ظل سلطان بني العباس، ونهض أهل البيت (عليهم السلام) وبقية العلماء لنشر العلم، والتف الناس حولهم مما أدى إلى تأجيج مخاوف بني العباس ومحاولتهم إحباط هذا النهوض الفكري والعلمي، إذ أوجد المنصور تلك المعركة القوية بين أهل الحديث وأهل الرأي، وكثر عدد المذاهب، فكان في كلّ بلد إمام له مذهب ينسب إليه، ومن بينهم مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وهو أقدم المذاهب نشأة، يستمد تعاليمه من النبع الإسلامي القرآن والسنة، لكنه سُمّي بمذهب الإمام الصادق (عليه السلام) أو المذهب الجعفري لوجود الإمام في مرحلة شيخوخة الدولة الأموية وطفولة الدولة العباسية، وفيها اتسع المجال للإمام لنشر العلم وبث الأحكام الإلهية، حينما رفعت الرقابة التي جعلها الأمويون للحيلولة بين الأمة وبين أهل البيت (عليهم السلام)، وقيام بني العباس تحت شعار الرضا لآل محمد، فاشتهر ذكر جعفر بن محمد، واتسعت أمامه حرية القول، وحرية النقض والإبرام في شأن الحقائق الدينية من جهة، والمشتبهات والموضوعات على غير أساس صحيح من الأحاديث والسنة من جهة أخرى، وازدحم طلاب العلم على أبواب مدرسته وكثرة الهجرة إليه، ولم يكن كسائر المذاهب من حيث خضوعهم للسلطات الحاكمة واستمالتهم لرغباتها، بل امتاز باستقلاله عن مقومات المادة ومؤازرة السلطة.