رياض الزهراء العدد 121 أنوار قرآنية
شَذَرَاتُ الآيَات _ 15
)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا(/ (النساء:19) ذكرنا في بداية هذه السورة أنها تهدف إلى مكافحة الكثير من الأعمال الظالمة والممارسات المجحفة التي كانت رائجة في العهد الجاهلي، وفي هذه الآية أُشيرَ إلى بعض هذه العادات الجاهلية المقيتة، إذ حذّر الله سبحانه فيها المسلمين من التورط فيها، فقال: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا..) أي: لا تحبسوا النساء لترثوا أموالهن، وهذه كانت إحدى الممارسات المجحفة في الجاهلية، إذ كان الرجل يتزوج بالنساء الغنيات ذوات الشرف والمقام اللاتي لم يكن يحظينَ بالجمال، ثم كانوا يذروهن هكذا فلا يطلقوهن، ولا يعاملوهن كالزوجات، بانتظار أن يمتن فيرثوا أموالهن.(1) واختلف في المعنى بهذا النهي على أربعة أقوال: أحدها: إنّ الله تعالى أمر الزوج بتخلية سبيلها إذا لم يكن له فيها حاجة، وأن لا يمسكها إضراراً بها، حتى تفتدي ببعض مالها. وثانيها: إنه الوارث نهى عن منع المرأة من التزويج، كما كان يفعله أهل الجاهلية. وثالثها: إنه المطلق: أي لا يمنع المطلقة من التزويج كما كانت تفعله قريش في الجاهلية. ورابعها: إنه الولي: خوطب بأن لا يمنعها من النكاح. عن مجاهد والقول الأول أصح.(2) وهذا ما لا يتفق مع النظرة النزيهة في الإسلام، ومن هذا الدرك الهابط رفع الإسلام تلك العلاقة إلى ذلك المستوى العالي الكريم اللائق بكرامة بني آدم (عليها السلام)، اللذين كرمهم الله (عزّ وجل) وفضّلهم تفضيلاً. فحرّم الله تعالى جميع تلك الجرائم كما حرّم (عزّ وجل) العضل، فقال: (..وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ..) أي: العضل هو تعذيبهن حتى تسامح وتتنازل عن حقّها مقابل إطلاقها، والإسلام الذي ينظر إلى الزوجة بوصفها سكناً وأمناً ينظر إلى العلاقة الزوجية بوصفها رحمة للرجل أيضاً.(3) ثم بيّن الله تعالى أن ثمة استثناء لهذا الحكم قد أشير إليه في قوله تعالى: (..إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ..) والفاحشة هي ارتكاب الزنا وخيانة الزوج، ففي هذه الحالة يجوز للرجل أن يضغط على زوجته لتتنازل عن مهرها، وتهبه له ويطلقها عند ذلك، وهذا هو في الحقيقية نوع من العقوبة، وأشبه ما يكون بالغرامة في قبال ما ترتكبه هذه الطائفة من النساء. ثم قال تعالى: (..وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ..) أي: عاشروهن بالمعاشرة الحسنة الإنسانية التي تليق بالزوجة والمرأة. إنّ الإسلام الذي يدعو الأسرة التحاب والتعاطف هو ذاته الذي يقول للرجال: (..فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)، والمعنى: حتى إذا لم تكونوا على رضا كامل من الزوجات، وكرهتموهن لبعض الأسباب فلا تبادروا إلى الانفصال عنهن والطلاق، بل عليكم بمداراتهن ما استطعتم، إذ يجوز أن تكونوا قد أخطأتم بشأنهن وأن يكون الله تعالى قد جعل فيما كرهتموه خيراً كثير، ولهذا ينبغي أن لا تتركوا معاشرتهن بالمعروف ما لم يبلغ السيل الزبى، ولم تصل الأمور إلى الحد الذي لا يُطاق، خاصة وإن أكثر ما يقع بين الأزواج من سوء الظن لا يستند إلى مبرر صحيح، وأكثر ما يصدرونه من أحكام لا يقوم على أسس واقعية إلى درجة أنهم قد يرون الأمر الحسن سيئاً وبالعكس في حين تنكشف حقيقة الأمر بعد مضي حين من الزمن، ثم إنه لابدّ من التذكير بأنّ للخير الكثير في الآية الذي يبشر به الأزواج الذين يدارون زوجاتهم مفهوماً واسعاً، ومن مصاديقه الواضحة الأولاد الصالحون والأبناء الكرام.(4) ......................... (1) تفسير الأمثل في كتاب الله المنزل: ج3، ص98. (2) مجمع البيان في تفسير القرآن: ج3، ص47. (3) تفسير البيان الصافي: ج2، ص311. (4) تفسير الأمثل في كتاب الله المنزل: ج3، ص98-99.