العَمَلُ مِن أَجلِ بُزُوغِ الأَمَل

منتهى محسن محمد/ بغداد
عدد المشاهدات : 211

قال الله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)/ (القصص:5) من بين حروف هذه الآية المباركة تندفع الأفكار وتنبثق الرؤى التي تبيّن جانباً واحداً من أهميّة الظهور، والذي كان وما يزال نافذة أمَلٍ للمستضعفين، وبصيص نور للمعوزين، وترياق صدور الموجعين والمظلومين. نعم من هذه الآية الكريمة ننطلق في آفاق اللطف الإلهي والرحمة الواسعة التي يمنّ بها تبارك على العباد، فالوارثة والخلافة في مفهوم الحكم السماويّ ليس لمَن يمتلك القوّة والمال والجبروت، بل لمَن استُضعف في الأرض وأُقصي عن حقّه إجحافاً وعنوةً، وهي بشارة لجميع الأحرار الذين يريدون وينتظرون حكومة العدل وانطواء بساط الظلم والجور. من هنا يكون الحافز للعمل والجد قوياً للتمهيد المبارك للحكومة المهدوية المنتظرة عبر نشر مفاهيم الإسلام الحق والعمل بها قولاً وفعلاً، وقد تكون هذه العبارة الأخيرة فيصلية ومهمة جداً كغاية مثلى لتعجيل الفرج الميمون وصولاً إلى الهدف المنشود. ففي مفردات حياتنا الاجتماعية والتي نتعرض لها جميعا جملة من الأعمال التي يجب أن تطابق القول مع الفعل، وهذه الأعمال التي ينظر إليها بعضهم باللامبالاة تكون ذات أهميّة كبيرة في تفعيل دور الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) عبر إصلاح المجتمع، وهو السبب لظهور المصلح العالمي المأمول، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "لو لم يبقَ من الدهر إلّا يوم واحد لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً".(1) فربّة البيت الواعية التي تتفاعل مع القضية المهدوية ترشد بناتها وتربيهنّ على الخلق الحسن، وتجاهد في الحفاظ على سترهنّ وعفافهنّ في دولة الضياع والتقليد الأعمى لهي أمّ عاملة من عمّال الله (عز وجل) وساعية إلى التصدي للتحديات الخطيرة التي يمرّ بها مجتمع الإسلام اليوم. والأب الصالح الذي يتحرك حراك المنتظر الشغوف يعمل بجد وكد كي يهيّئ سبل الحياة الشريفة لأبنائه؛ حرصاً على استقامتهم وانتصار دولة الإسلام بهم، ذلك الأب يسهم في تفويت الفرصة على العدو في تمرير أقاويله وطموحاته الدنيئة لتذويب أفكار الشباب وجرهم عنوةً نحو بؤر الفساد والفتنة. ورجل السياسة الذي يستحضر الفكر المهدويّ في تعاطيه مع الحياة، إذ يشارك أبناء جلدته همومهم ومشاكلهم ويعرض الدين عليهم على أنّه مشروع سماويّ بنّاء من خلال احتوائهم، فهو بلا شك عامل مخلص لا يريد إلّا نصرة الدين وتعجيل الظهور الميمون. والشاب الذي يحافظ على جوارحه وجوانحه من الهفوات والزلل ويمنع النظرة المحرمة التي تثير الفتنة وتحرك الغريزة الشيطانية، ذلك الشاب المحافظ هو بهجة قلب الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وميدان انتصاره ضدّ قوى الانحراف والشر. والموظف المثابر الذي لا يتقاضى الرشوة ويعامل الناس بالحسنى والطلاقة ويسارع في قضاء حوائجهم دون منفعة أو مكسب مادّي فهو أيضاً مورد ممتاز لترسيخ قاعدة صاحب المشروع السماويّ المنتظر. بهذه المفردات السلوكية وغيرها يجب أن نتعاطى مع قضية الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بحيث كلّما توسعت دائرة الإحياء الفكريّ والعمليّ لها كلّما لاح أمل الظهور ورفرف في الآفاق. ولابد من الإشارة في الختام إلى أنّ الحفاظ على تلك الروح المتقدة ليس بالأمر الهيّن، بل يتطلب روح التحدي والإخلاص، فالعمل المخلص بشتّى أنواعه يبثّ ويعمق هذه العقيدة، ويكون حالة عامة من تهيأ العالم لمجيء المنقذ الكبير والمُخَلِّص العظيم للبشرية، وليتحقق به وعد الله الذي لا يتخلّف. ...................................... (1) كنز العمال: ج14، ص 267.