رياض الزهراء العدد 121 همسات روحية
تَجَلِّيَاتُ نَفسٍ مُذنِبَة
مذ رأته تلك الليلة.. بات هم اللقاء شغلها الشاغل.. دست أنفها في ثرى أقدامه.. حملت منه حفنة وأخفته عن أعين الناظرين.. ارتقبت عودته.. تطالع السماء وتحاكي النجوم، وتراسل القمر، وترصد شعاع الشمس، ربما يوصلها إلى ذلك البعيد.. انعقد الأمل، وارتوت الأمنيات من معين اللقاء.. منذ ذلك الأمد.. استوحشت الانتظار.. طالت المدة.. شاخت العيون من تعب السنين ترهلت الأجفان وحملت أكفانها في نسيج من عطش الفراق.. دفنت كلّ الآماق في بئر الحدقات.. وانهال التراب على أكوار النظر.. واعتلى القبر نسيان وجحود.. أعشاش غربان كالقصور الخاوية.. فراش من غصة وندم.. غطاء العذاب أحكم غلقه.. إنها مسارات الحياة حين ابتعدنا عن واحة الأمان.. بدا لي قبر يتماشى مع نزف الأنين. يحمل من كلّ بقعة ذرات تراب.. يصقل أطرافه من ندى ذاك اللقاء.. سكرات واحتضار عشق الموت الحياة.. صوت أسكتته طبقات الثرى.. أرعبه الخوف والانفراد.. بات يخشى من لظى الضمير.. تحرق وتذيب في جوى الهوى.. غاب عن ناظري، وتساءلت مَن صاحب القبر ترى؟ سخرت مني نفسي ورمت بلسع الجواب.. إنها أعمالكم، ودونها ما لا ترى.. إنها غر الدنيا أخذت فيكم ما لا يُحصى. إنها ذنوبكم على شكل قبر بهيئاتكم سرى.. فاجتهدتم لنصيب الدُنى دون العلى.. فارتضيتم لإبليس خلع العرى.. فامضوا وحال حالكم عمّا بكم حكى.. فرفضتم انتظار ذلك الحبيب المرتجى.. هذا حال مَن بعد عن الدواء واسترجى من الداء الشفا.. فكيف يطيب بكم النوال واللقاء.. وأنتم عن إمام زمانكم قعدتم دون نيل المبتغى.. أيا أيها القبر كفى ملامة.. إننا مَن ضيّع درب الرضا.. من جواهر لذعك استفاق القلب وألقى بالغشى.. سأنادي يا إمامي أنتَ يا مهديّ الورى. خذ بيدي نحو علاك سلّماً سلّماً.. فيقيني أنك تقرأ ما أكتب والدمع جرى.. يا حبيبي ثقلت أوزار قبري.. فأخرجني من معقل الأوزار إلى باحة الرضا.. أتنفس عبق ريحك يا يوسف الزهراء.. عدت لأعدّ عقارب ساعتي والانتظار قطاري نحوك يا وحي الهدى... وأجعل من قبر الذنوب محراب عشق وانتظار.. وأنادي في فجوة الليل السحيق.. والناس نيام.. عاشق دقّ بابك لا تردوه.. أدقّ أجراس عقلي لو غفل عن تسبيح السلام.. أجاهد فيك يا أمامي كلّ أمّارة نفس بالحرام.. أغاديك شوقاً وانتظاراً.. التمس حرارة اللقاء من جوف الزمان.. مازلت أنتظر لألملم ما تبقّى من آثار تلك الخطى..