(..فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ..)

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 453

يُعد العمل التطوعي أحد أهم الركائز الأساسية التي يُقاس من خلالها مدى تطور المجتمعات ورقيّها وكذلك درجة الوعي الذي يتمتع به الأفراد، والوعي الذي نتحدث عنه هو ما يتم تطبيقه على أرض الواقع للمفاهيم والقيم التي يتم الإعلان أو الحديث عنها في المجتمع، ولعلّ أفضل مثال على ذلك هو أننا عندما نسافر إلى بلد ما ونرى الشوارع نظيفة فإنّ أول جملة تجري على ألسنتنا هي (كم هو واعٍ هذا المجتمع)، إذن نحن قيّمنا درجة الوعي عن طريق ما رأيناه من نظافةٍ في الشارع، وإنما يحدث هذا الشيء بسبب انتشار ثقافة التطوع لديهم، فكلّ شخص مسؤول عن نفسه وعن مجتمعه، إن عدنا قليلاً للعمل التطوعي فإننا سنلاحظ أنه ليس وليد اليوم، بل هو من صميم عمل الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، وقد جاءت الآيات القرآنية زاخرة بالدعوة إلى المسارعة بالقيام بالأعمال التطوعية كما في قوله تعالى: (..فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ..)/ (البقرة:148) والخيرات هي كلّ عمل فيه مصلحة وخير للمجتمع، وكذلك قوله تعالى: (..فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ..)/ (البقرة:184). ومن مصاديق العمل التطوعي هو الحث على إعطاء الصدقة، ومالها من أثر كبير في التكافل الاجتماعي ومعنى الصدقة واسع وفضفاض، فالكلمة الطيبة والابتسامة صدقة، كما قال رسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله): "تبسمك في وجه أخيك صدقة.."(1)، وكذلك نشر العلم، وإماطة الأذى عن الطريق، ومساعدة المحتاجين، الأمر بالمعروف.. وغيرها الكثير، إذن يا لها من قائمة طويلة جداً لمجالات فعل الخير ونشر الفائدة بين أفراد المجتمع، وكما قال الإمام الكاظم (عليه السلام): "أبلغ خيراً وقل خيراً، ولا تكونن إمعة".(2) ولسبر أغوار العمل التطوعي في سيرة الأنبياء (عليهم السلام) تستوقفنا الكثير من القصص، ومنها على سبيل المثال ما قام به نبيّ الله موسى (عليه السلام) لمساعدة امرأتين كانتا تحاولان جلب الماء، وكان الشبان يقفون أمام منبع الماء، وهما تنتظران من بعيد، فلما رآهما موسى (عليه السلام) لم يرضَ بذلك، فتطوع بمَهمة السقي، قال تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ  فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)/ (القصص:23، 24) وقد اتضح له بعد ذلك أنهما ابنتا نبي الله شعيب، وكما وعد الله (عز وجل) مَن يعمل الخير بأن له خيراً فكان جزاء عمله التطوعي أن قام أبوهما بتزويج إحداهما له. وكلّما أمعنا النظر في الآية الكريمة: (..فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ..) كانت المسارعة للعمل التطوعي، فعندما تنتشر الفرق التطوعية لتنظيف البيئة المحيطة أو لرسم اللوحات الجميلة حتى وإن كان بزراعة نبتة صغيرة في باب كلّ بيت سنجد أنّ هذا الخير سيعود على الجميع بشكل كبير ولا يوصف، من جمال المنظر وهدوء النفس وراحة البال، قال تعالى: (..وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ..)/ (البقرة:272). لنبادر جميعاً بتقديم أي عمل في ضمن المجال المتاح لنا لنرسم صورة راقية لوطننا الحبيب التي يتميز بتعدد الألوان والأشكال، ونضع اللمسات الجمالية لِما حولنا بداية من أنفسنا وبيوتنا، وبذلك نكون كما قال الله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ..)/ (آل عمران:110) . ........................... (1) ميزان الحكمة: ج2، ص1597. (2) ميزان الحكمة: ج4، ص3402