سَنَبقَى نَنْهَلُ مِن عَبِيرِكُم
ذاكرة يتوجب عليها إبقاء حقبة توشّحت سماؤها بالسواد، فتظلم الليل والنهار على حدّ سواء في أرض الأئمة والأطهار، في أرض دجلة والفرات كي لا ننسى. تعاقبت الأيام والسنون منذ السقوط، فنسيت العقول وتناست القلوب ما كان يتوجب عليها أن تضعه في ضمن إطار دائم كي تضمن أنه مهما توالت السنون بل الدهور لم ولن تخرج قصص الظلم وحكاياته في زمن الظالم من البال. زمن ظالم وسلطان جائر ابتلعت سجونه مَن كانوا بنورهم في ريعان الشباب تستضيء السماء بهم, في أرض العراق حيث البصرة بالتحديد تفتحت أسارير زينب عندما عرفت موعد الالتحاق والبدء في الدوام الجامعي لها, إذ رأت من الحرم والحياة الجامعية خير سبيل ووسيلة لإيصال ما تراه يتوجب عليها إيصاله لقريناتها من الفتيات الشابات, حتى لو كان ثمن هذه الدعوة روحها وحياتها, هو حقاً زمن ظالم وسلطان جائر, إ ذ كان الحجاب والاحتشام منبوذاً مستهجناً, وكانت من ترى أنّ الحجاب سلاحها بوجه الحياة، وترى منه ذلك الدرع والحصن الحصين بمثابة المجرمة المحكوم عليها بالموت عند من حمل الفكر البعثي المتشبع بالحقد والغل والإكراه. كان لزينب أخ أصبح في ما بعد في ضمن دائرة ذكرياتها, كانت علاقة أخوتهما الأشبه برابط القلب الذي ربط ما بين الحسين (عليه السلام) والعقيلة الكبرى (عليها السلام),عرّفها وبصّرها معنى حب الله الفعلي والتعلق بحبائله دون عن خلائقه, ولكن سوداوية الغمائم في السماء آنذاك لم تسمح لها أن تستكمل صورة حياتها وكتابة حكاية جهادها جنباً إلى جنب مع أخيها, حيث اقتطفت الوردة وبقيت هنا وهناك أوراق له متساقطة, بنت وولد سرقت منهما أحلامهما حين اُعدم والدهما ظلماً وجوراً, لم تكن هذه المظلوميات والقبائح من الأفعال والجرائم من قبل النظام المسبب بأن تُثني زينب حكايتنا من عزمها, إذ أكملت مسير الجهاد وإن أرغمتها استحالة الظروف البقاء على أرض وطنها، فهي طارت وهاجرت بجناحي حبّ الله (عز وجل) مع شريك جهاد وفي الوقت ذاته شريك الحياة لها إلى أرض غير أرض أجدادها وآبائها. هذه جزء من حكاية واقعية شاء الله تعالى لها أن يكمل فيها المقتدون بآل الرسول مسير حياتهما، ولكن كم من قصة وكم من ألم وعذاب، فشهادة دُفنت مع حامليها في بقع مباركة استسقت العشق من دمائهم الزكية، عُرفت في ما بعد (بالمقابر الجماعية). نبقى ننهل من سيركم العطرة وتضحياتكم النيرة سنكون من السالكين لدرب الإمام الحسين (عليه السلام) والناصرين له، كما نصرتم الدين والمذهب.