الحَجُّ أعَلَى مَرَاتِبِ الإِيمَان

إيمان حسون كاظم/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 176

إنّ أول بيت وُضع للعبادة هي الكعبة المباركة، وُضعت قبل غيرها كبيت المقدس الذي بناه نبيّ الله سليمان (عليه السلام). والكعبة بناها نبيّ الله إبراهيم (عليه السلام)، وعندئذ شُرّع الحج، وكان أول تشريعه بعد فراغ نبيّ الله إبراهيم (عليه السلام) من بنائها، قال تعالى: (..وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)/ (البقرة:125)، وقال تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)/ (الحج:27). وفي الآية دلالة على أنّ هذا الأذان والدعوة سيُقابل بتلبية عامة من الناس الأقربين والأبعدين، فعرب الجاهلية كانوا يأتون بالحجّ على أنه من شرع إبراهيم، وإنّ سائر الناس كانوا يعظّمونه، وذكر لنا التاريخ ذلك وهذا في نفسه نوع من الهداية، فالحجّ هدى بجميع مراتبه أخذاً من الحضور الذهنيّ إلى الانقطاع التام الذي لا يمسّه إلّا المطهرون من عباد الله المخلصين، فحين فرغ البنيّ إبراهيم (عليه السلام) عليه من بنائه للبيت سأله ربّه الإسلام له ولذريته، قال تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ..)/ (البقرة:127، 128). إنّ الإسلام -الذي هو الأخذ بظاهر الاعتقادات- هو أول مراتب العبودية، وإبراهيم (عليه السلام) هو النبيّ الرسول، أحد الخمسة أولي العزم، وصاحب الملة الحنيفية، أجل من أن يتصور في حقّه أن لا يكون قد ناله وكذا ابنه إسماعيل، فهذا الإسلام المسؤول من قبل إبراهيم هو غير المتداول عندنا، فإنّ الإسلام مراتب بدليل قوله تعالى: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)/ (البقرة:131) وهذا هو تمام العبودية، وتسليم العبد كلّ ما له إلى ربّه، وهو معنى اختياره من طريق مقدّماته إلّا أنه إذا أضيف إلى الإنسان العادي وحاله القلبي كان غير ممكن النيل له؛ لهذا يمكن أن يعدّ أمراً إلهياً خارجاً عن اختيار الإنسان، ويسأل الله سبحانه أن يجعله متصفاً به، فالأفعال هي التي تعدّ اختياريه للإنسان، أمّا الملكات الحاصلة من تكرر صدورها فمن الجائز أن تنسب إلى الله (سبحانه وتعالى)، قال تعالى: (..وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)/ (يوسف:101)، وقوله تعالى: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً)/ (البقرة:128). عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: أخبرني عن أمّة محمد (صلى الله عليه وآله) مَن هم؟ قال: أمة محمد بنو هاشم خاصة. قلت: فما الحجة في أمة محمد (صلى الله عليه وآله) أنهم أهل بيته الذين ذكرت دون غيرهم؟ قال: قول الله: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(1).(2) وفي هذا دلالة على أن لا يكون الأئمة والأمة المسلمة التي بعث فيها محمد (صلى الله عليه وآله) إلّا من ذرية إبراهيم لقوله: (..وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)/ (إبراهيم:35)، فأنتج سؤال التطهير من جميع الضلال من عبادة الأصنام، ومن أي شرك حتى المعاصي. ................................. (1) (البقرة:127، 128). (2) بحار الأنوار: ج24، ص154.