رياض الزهراء العدد 123 أنوار قرآنية
شَذَرَاتُ الآيَات_ 17
(وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا * حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ..)/ (النساء: 22، 23). جاءت هذه الآية لتبطل عادة سيئة من عادات الجاهلية المقيتة، إذ إنه كان في ذلك العهد إذا مات رجل وخلّف زوجة وكان له أولاد من زوجة أخرى، ورثوا زوجة أبيهم كما يرثون أمواله، فكان يحق لهم أن يتزوجوها أو يزوجوها، فنزلت هذه الآية تنهى عن هذا الفعل، إذ قال الله تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ..): أي لا تنكحوا زوجة أبيكم، وإذ إنّ القانون لا يشمل ما قد سبق من الحالات الواقعة قبل نزوله؛ لذا عقّب (سبحانه وتعالى) عن النهي بقوله: (..إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ..).(1) وقد اتفق الفقهاء والمفسرون على أنّ التحريم يشمل زوجات الأجداد للأب والأم، وأنّ هذا التحريم يتحقق بمجرد العقد، سواء أحصل الدخول أم لم يحصل.(2) ولتأكيد هذا النهي فإن الله (عزّ وجل) يضع ثلاث عبارات شديدة: الأولى: (..إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً..) يعني: أنّ نكاح زوجة الأب فاحشة أي: معصية محرمة، فإن زوجة الأب من محارم الابن فمقاربتها زنا.(3) الثانية: (..وَمَقْتًا..): أي عمل منفرد لا تقبله العقول ولا تستسيغه الطبائع البشرية السليمة، بل تمقته وتكرهه، حتى في تاريخ الجاهلية كانوا يبغضون هذا النوع من النكاح ويصفونه بالمقت، ويسمّون ما ينتج من ولد بالمقيت، أي يكون الأولاد مُبغَضين. الثالثة: (..وَسَاءَ سَبِيلًا): أي إنها عادة خبيثة وسلوك شائن، إضافة إلى أنّ هذا العمل يزرع عند أبناء الأب الميت بذور النفاق؛ بسبب النزاع على نكاح زوجته، فالآية دلالة على أنّ كلّ من عقد عليها الأب تحرم على الأبناء سواء دخل بها أم لم يدخل.(4) ثم ذكر (سبحانه وتعالى) سائر أصناف المحرّمات من النساء، ومن المعلوم أنّ التحريم يقوم بالطرفين، فكما تحرم المرأة على الرجل، كذلك يحرم الرجل على المرأة، وقد كانت هذه المحرّمات محللات عند بعض الناس، إذا صرّح القرآن الكريم بتحريمها.(5) إذ قال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ..) وهنّ النساء المحرمات بواسطة النسب، ويجب التنبيه على أنّ المراد من الأم ليس هي التي يتولد منها الإنسان، بل يشمل الجدة من ناحية الأب ومن ناحية الأم وإن علونَ، وأنّ المراد من البنت تشمل بنت البنت وبنت الابن وأولادهما وإن نزلت، وهكذا الحال في الباقي. ومن الواضح جداً أنّ الإنسان يبغض النكاح بهذه الطوائف من النسوة، وبهذا تحرمه جميع الشعوب (إلّا مَن شذ وهو قليل)، فعمومية هذا القانون وشيوعه لدى جميع أفراد البشر وطوائفه في جميع القرون والأعصار، مضافاً إلى حقيقة أنه الزواج بين الأشخاص ذوي الفئة المشابهة من الدم ينطوي على أخطار كبيرة، كزواج أبناء وبنات العم، ويؤدي إلى انبعاث أمراض خفية وموروثة، بل يساعد على التشدّد والتجدّد والانتقال إلى درجة أنّ بعضهم لا يستحسن زواج الأقرباء البعيدين، فضلاً عن القريبين، حتى وإن لم يسبّب أيّ مشكلة لدى الأقرباء البعيدين كما هو الغالب، إلّا أنّ هذا النوع من الزواج ليس من الخطورة كزواج المحارم، إضافة إلى أنه يؤدي إلى ضعف التجاذب الجنسي بين المحارم عادةً، والذي هو شرط أساسي لدوام العلاقة الزوجية واستمرار الرابطة العائلية التي تكون ضعيفة وقصيرة إذا تمّ الزواج.(6) ................................. (1) الأَمْثَلُ في تفسير كتابِ اللهِ المُنزَل: ج3، ص102. (2) التفسير الكاشف: ج2، ص285. (3) تقريب القرآن للأذهان: ج1، ص457. (4) الأَمْثَلُ في تفسير كتابِ اللهِ المُنزَل: ج3، ص102. (5) تقريب القرآن للأذهان: ج1، ص458. (6) الأَمْثَلُ في تفسير كتابِ اللهِ المُنزَل: ج3، ص103-104.