سَعَادَةُ الانتِصَارِ وَالفَرَج

منتهى محسن محمد/ بغداد
عدد المشاهدات : 169

عندما يعزم الإنسان على أمر ما فغالباً ما يتحقّق بعد التوكل على الله تعالى، عندئذٍ تذوب كلّ المعوّقات والعوائق، وتتلاشى كلّ المتاعب والهموم، وتنمحي كلّ الزفرات والمواجع بمجرد تحقيقه على أرض الواقع. فلشدة ما تشعر الأم بالفخر والنصر وهي تقرّ عين الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بتربية أولادها التربية الإسلامية الحقة لدرجة تنسيها مشقّة الحمل والإنجاب والتربية. والأب الواعي يراوده الإحساس نفسه لمّا يتلمس حصيلة جهوده في رسالته، وهي تتجسد باستقامة أولاده وصلاح أخلاقهم، فينسيه ذلك الشعور أحزانه وضغوطات الحياة الشديدة آنذاك. وكذا يتوج الأستاذ الفاضل عندما يسهم في تنشئة جيل طيّب الأعراق، ويرى ثمار جهاده متدلية على أصرحة العلم في جامعات الطب أو الهندسة أو الصيدلة أو غيرها، وقد زفّوا له البشرى في القبول بتلك المعالم الأكاديمية الرائعة. وهكذا تتواتر الأمثلة والشواهد لمحطات يترك بها الإنسان شديد متاعبه أمام لذة الفوز والظفر، ونحن اليوم نعيش أنفاس نصر مؤزّر، إذ حقّق أفراد حشدنا المبارك وقواتنا المسلحة الشجاعة أروع الانتصارات بإزالة دولة الكفر والرذيلة المتمثلة بسفاحي داعش البغيضة ومرتزقتها وسحقها. نعم.. بُذلت المهج العزيزة، ونُحرت الرقاب الشريفة، واستُبيحت الأرواح الطاهرة، وارتوت أرض الرافدين دماً عبيطاً مستمداً من فتيل ثورة الإصلاح الحسينية الكبيرة التي حمل أبناء هذا الوطن الجريح شعلتها الوضّاءة حتى يومنا هذا بكلّ عز وفخر وسؤدد. أجل.. إنه يوم النصر العظيم الذي قيّض في نهاره الميمون خرافة دولة الخرافة، ونقض بروجهم الفاسدة، وسحق آمالهم المستبدة. أجل.. عظمت الخسارة، وازدادت حصيلة الأيتام، وتعالى صراخ الثكالى والأرامل في بلد عزّ به الأمان والاستقرار، لكن حلاوة النصر لها طعم فريد، ورايات الظفر الخفّاقة ترفع ألم الثكل واليتم، وأهازيج الغيارى وهتافات النصر تمسح دموع الأمهات الفاقدات فلذات الأكباد. إنه يوم النصر المجيد فما أحلاه من نصر! وما أروع التضحيات المقدّسة! فالنصر الذي يأتي بعد كلّ ذلك السيل الشريف من الدماء لهو امتداد لثورة سيّد الأحرار (عليه السلام) ووميضه الوهّاج الذي سيختم بظهور دولة العدل الإلهية على يد قائدها ومحرّرها مولانا وبهجة قلوبنا وأملنا الموعود الحجة بن الحسن (عجل الله تعالى فرجه الشريف). فإذا كنّا نعيش اليوم أنفاس هذا النصر العظيم ونستشعر أفراحه، فكيف بنا ونحن نتصور مجرد التصور بأننا سنعيش أفياء الدولة الموعودة؟ كيف بنا إذا نُشر لواء الحق، وازدانت الدنيا بنور مهديّنا المنتظر أرواحنا لمقدمه الفداء، ونحن نسير خلف رايات النصر الخفّاقة؟ بل كيف ستنبض قلوبنا، وتتعالى أنفاسنا ونحن نعيش تلك اللحظات الهانئة؟ وأيّ حزنٍ سندفن ركامه خلف ضلوعنا بعدما تُبدّل الأرض غير الأرض، ويعمّ الخير والسرور؟ في يومنا السعيد هذا الذي نعيش فيه أفراح النصر وإصلاح ما أفسده أعداء الدين، لا يسعنا إلّا أن نتذوق بشوق يوم الفتح المجيد الذي سيؤذن به ربّ الجلالة بظهور إمامنا الموعود ليحقّ الحقّ بكلماته وتزهر الدنيا بشرى وهناء، ذلك اليوم القادم لا محالة سينسينا حتماً سنين الشوق وأعوام الضيم وزفرات الانتظار المرير. جاء عن النبيّ الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) قوله: "إنّ الله فتح هذا الدين بعلي، وإذا قُتل فسد الدين ولا يصلحه إلّا المهدي".(1) .................................... (1) ينابيع المودة: ج3، ص292.