غَدِيرُ الوِلَايَةِ إِكمَالُ الدِّينِ وإِتمَامُ النِّعْمَة
نادى منادي المدينة أن استعدّوا للحجّ أيّها المؤمنون برفقة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، تسارعت الخطوات، وخفقت القلوب، وتجهّز الجميع للمسير، إنه حجّ القلوب والأرواح قبل الأبدان إلى بيت الله خالق الأكوان، وبصحبة حبيب الله ورسوله الكريم (صلى الله عليه وآله)، فما أحلى تلك الخطوات! وما أعطر تلك الأنفاس التي اختلطت بأنفاسه الطاهرة! انطلقت جموع المؤمنين وقلوبهم حرّى لرؤية كعبة الشوق وعشق العمر، فتمايلت الجمال بأحمالها وهي تتهادى على تلك الرمال، وترسم بمسيرها خطّ التاريخ في أعظم حجّة سمّيت بحجة الوداع، ويصل الركب إلى أول بيت وُضع للناس لتأدية مناسك ربّها، وبفرح غامر لا يوصفه اللسان ووجوه المؤمنين تنظر إلى ذاك القمر الزاهر وهو يبيّن لهم أحكام حجّهم ويطبقها عملياً أمامهم، وها هو الحجر الأسعد قد زاد سعده بلمسة حبيب الرحمن المصطفى الأحمد، وتجلت كعبة الحنين بأنوارها الربانية وبألطافها الإلهية التي عمّت جميع المؤمنين، ما هذا الحج الملكوتي؟! أيّ أرض تحملين مكة الخير؟! وأيّ أقدام تطأ أرضك؟! زادك الله تعالى شرفاً بسراج الله (عزّ وجل) المنير الذي بعثه بشيراً ونذيراً، وهكذا تمّت تلك الأيام المعدودات، وأزفت لحظات الوداع، ركب الجميع وتوجهت قافلة الحجّ إلى طريق العودة، وهي محملة بالبركات والرحمات والهبات الربانية، تحوطهم ملائكة الرحمن لترعى رحل الرسول (صلى الله عليه وآله) وتنثر الياسمين تحت أقدام ذلك المسير، ويصل الركب إلى مفترق الطريق، توقف المسير، تساءل الجميع ما الخبر؟ أهناك أمر خطير؟! لِمَ التوقف في هذا الهجير؟! ولِمَ حطّوا الرحال قرب الغدير؟! نعم لقد توقف الجميع بأمر الرسول (صلى الله عليه وآله)، لقد كان يوماً عجيباً، فقد نزلت ملائكة السماء شهوداً، يقدم جبريل الأمين ومعه تاج الولاية ويسلّمه وبكلّ خشوع لكي يستلمه الرسول (صلى الله عليه وآله) ويتوّج الأمير (عليه السلام)، هنيئاً لك أيّها الغدير، بقي اسمك مطرزاً على صفحات التاريخ بلون الزهور، وفاح العبير من مبسم رسول الإنسانية من على أحداج الإبل، فأصدر الرسول (صلى الله عليه وآله) ما كان قد قرّره الربّ الغفور، ونادى بلطيف صوته الذي دخل القلوب قبل الأسماع، ها هو أميركم لوليّه موالاتي ولعدوه معاداتي، فأنا عنكم راحل عن قريب وهو للأمة من بعدي قائد ونصير، تهامست الأصوات، وتراشقت النظرات، وتسارعت دقات القلوب، تتناجى فيما بينها فلنصافح الأمير، تهافت الجميع يردّدون بالولاء والطاعة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وربّ السماء، فصار الغدير كروضة غنّاء، وتعطرت الأجواء بأريج رشات المسك التي نثرتها الحور العين من فوق سبع سماوات، وكلهنّ مهنئات وبحلل الجنان ونثر الريحان مبتهجات، لقد كان يوماً مهيباً ومشهوداً في حياة المسلمين، وعيداً يتجدّد على قلوب المحبين، وبشرى في وجوه الموالين.