رياض الزهراء العدد 123 لحياة أفضل
سَعَادَتُهُم_ السفارة لمن يستحقها
جاء من هناك ممثلاً للنور ضدّ الظلام، ورسولاً للإيمان ضدّ النفاق، هو سفير عن الإباء، ورسول من التفاني، هو مسلم بن عقيل (عليه السلام) ابن عمّ الإمام الحسين (عليه السلام) وسفيره، عن ابن عباس قال: قال علي (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله): "يا رسول الله، إنك لتحبّ عقيلاً؟ قال: إي والله، إني لأحبّه حبّين: حبّاً له، وحبّاً لحب أبي طالب له، وإنّ ولده لمقتول في محبّة ولدك، فتدمع عليه عيون المؤمنين، وتصلّي عليه الملائكة المقربون".(1) وقد قال فيه الإمام الحسين (عليه السلام) حينما بعث كتابه إلى أهل الكوفة: "..وقد بعثت لكم أخي وابن عمّي، وثقتي من أهل بيتي..".(2) فكان أهلاً لهذه الثقة والسفارة، حتى مضى شهيداً في سبيل إمامه وابن عمّه، وهذا الموقف يذكّرنا بأمورٍ في مجتمعنا سنذكر واحداً منها، وهو أنَّ بعضاً من أفراد مجتمعنا لا يراعون للقرابة حرمة، فهم على شجار دائم وشحنة وبغضاء مع أقاربهم على الرغم من أنّ الله تعالى جعل للأقرباء الأولوية في بعض الحقوق كحقّ الإحسان، فقد قال الله في محكم كتابه: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)/ (البقرة:83) وحقّ النصيحة إذ ذكرهم الله (عزّ وجل) بالتخصيص في الإنذار، حين قال لنبيّه (صلى الله عليه وآله): (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)/ (الشعراء:214) وحقّ الإنفاق إذ قال في محكم كتابه: (قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)/ (البقرة:215)، وحقّ الصدقة وأشباهها كقوله تعالى: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ)/ (14-15). فهذه الآيات تدلّ على أولوية الأقرباء في الإحسان والنصيحة والإنفاق والصدقة على غيرهم عدا الوالدين، فالوالدان أولى من الجميع كما هو ملحوظ، لكن لا يعني أنّ الإحسان للأقرباء يجرّ إلى الدخول معهم في الباطل، وهذا ما نراه سائداً في مجتمعنا لاسيّما في المجتمع النسويّ، فغالباً ما يتردّد فيه هذا المثل: )أنا وأخي على ابن عمّي، وأنا وابن عمّي على الغريب)، وعلى ضوء هذا المثل نجد كلمة الحقّ أشبه بالغائبة في المجتمع النسويّ، كما وأنَّ الترديّ الاجتماعيّ قد وصل إلى أعلى مستوياته؛ ذلك لأنّ الأم والأهل بشكلٍ عام ينحازون إلى بنتهم ضدّ زوج بنتهم وأهله، فقط لكونها ابنتهم وإن كانت على باطل، وفي المقابل أيضاً نجد الأهل ينحازون إلى ابنهم ضدّ زوجة ابنهم وأهلها، وهكذا الأخت تنحاز إلى أختها ضدّ الأبعد من قرابتها، وابنة العم تنحاز إلى بنت عمّها ضدّ التي من عشيرة أخرى وهكذا..، فقط لأجل القرابة من غير تحكيم الحقّ في ذلك، بينما هذا التصرّف نهى عنه الدين الإسلاميّ بعدة آيات، منها قوله تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى)/ (الأنعام:152) وقوله تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)/ (المسد:1). على الرغم من أنّ أبا لهب هو عمّ النبيّ (صلى الله عليه وآله). حتى مسلم بن عقيل قد جاء مبعوثاً من الإمام الحسين (عليه السلام) لا لكونه ابن عمّه فقط، بل لكونه أمام زمانه، بدليل أنه جاء حاملاً فكر الإسلام وحبّ أهل البيت (عليهم السلام) في ذاته، ويظهر ذلك من مواقفه إذ إنّه لم يغدر بابن زياد ويقتله، وحين سُأل عن ذلك استشهد بحديث النبيّ (صلى الله عليه وآله): "إن الإيمان قيد الفتك، فلا يفتك مؤمن".(3) فرحم الله مسلماً، كان اسماً على مسمّى، ومؤمناً تدمع عليه عيون المؤمنين. ............................ (1) الأمالي: ص191. (2) حياة الإمام الحسين (عليه السلام): ج2، ص340. (3) مستدرك سفينة البحار: ج8، ص116.