رياض الزهراء العدد 123 لحياة أفضل
المَوَدَّةُ وَالرَّحْمَة_ ندم وأمل
تهاوى على كرسيّه بعد أن صُدِم بما قاله الطبيب عن رفيقة دربه. تمتم مع نفسه: أحقّاً ما يقول؟! أيعقل أن تكون هذه النهاية؟! أشهر قليلة ستكون هي الفاصلة بين الحياة والموت، يا إلهي، لا أزال غير مصدّق لهذا الخبر المشؤوم. حانت منه التفاتة إلى تلك المرأة التي تتجرع الألم، تتلوّى على سريرها، تحاول أن تتجلّد أمامه قدر إمكانها، استرجع كلّ لحظة ألم عانته معه في حياتها، تذكر كيف كان قاسياً معها، وكيف أنه أضاع شبابها وشبابه في الخلافات العقيمة التي استحكمت بها نفسه الأمارة بالسوء، نعم هي بذاتها هذه النفس التي تشعر بالندم الآن على ما فرّطت في جنب الله تعالى، لم يراعِ الله (عزّ وجل) في زوجته وفي أولاده، لم يعطهم أبسط حقوقهم، لم يكن زوجاً جيداً، ولم يكن أباً طيباً، استعرض شريط الذكريات، وجد فيه قسوةً وتقصيراً، وحوادث لم تذهب عن باله، مرةً ضرب زوجته بسبب الطعام الذي كان ينقصه قليلاً من الملح، وأخرى وبّخها لطلبها منه اصطحابها إلى الطبيب، ومرةً انتقص منها أمام الضيوف،إلخ ما هذا؟ هل هذا أنا؟! كيف كنتُ أتعامل معها بهذه الشدة؟! أيعقل أن يُعامَل هذا الملاك بهذه القسوة؟! هل تمحو دموعي دموعها المسجاة على أشلاء سعادتها التي طالما ذرفتها في ليالي حالكة السواد؟! هل تغفر لي همسات الندم ما تقدّم من طيشي؟ نظر إليها وإلى أولاده المتحلقين حول أمهم يجمعهم البكاء على مَن تحملت حياة تعيسة من أجل أن تحافظ على كرامتهم، ورأى كيف أنّ سنين العمر تهاوت تحت أقدامها، شعر بتأنيب ضمير ليس له مثيل، وباغتته الأسئلة متوالية: لِمَ شَعرتُ بهذا الشعور الآن؟ لِمَ تبدو الأشياء ثمينة حينما نفقدها؟ كيف سأعوّضها عن ما عانته معي من صعاب وسوء خُلق؟ وهل يجدي نفعاً الآن بعد كلّ هذه السنين؟ سمع صوتاً في خاطره يخاطبه: لن تنتظرك أكثر ممّا انتظرت، هي رفيقة دربك وشريكة حياتك، تستحقّ منك أن تكون بجانبها، تأخذ بيدها، وتلملم بقايا ما تبعثر من أمنيات، أطبع قبلة على جبينها حتى وإن كانت متأخرة؛ لعلّها تشفي جراحها، اهمس لها بحبّك لعلّ همساتك تغسل قلبها من الهموم، ارعاها بحنانك لعلّها ترى فيك زوجاً انتظرته طويلاً.