رياض الزهراء العدد 124 شمس خلف السحاب
هَدَفِيَّةُ النَّهْضَات
يتقدّم معيار النضال والكفاح أي معيار آخر ينطوي وراءه؛ وذلك لِمَا يتضمّنه من صعوبة ومجاهدة وصبر، وعلى الرغم من اختلاف السبل والأزمنة إلّا أنّ الشعار والهدف واحد لا يتغير في نفوس القادة والمصلحين: (أن لا للفساد، أن لا للانحراف والظلم). وقد دأب أهل بيت العصمة (عليهم السلام) في مسيرة حياتهم المعطاء على المضي في ذلك الطريق على الرغم من فداحة ما لاقوه من أمراء عصرهم وسلاطينه من تضييق وقتل وإقصاء، إذ تبنّى فكر أهل البيت (عليهم السلام) أطروحات فذة من أجل الوقوف ضدّ تيارات الانحراف والكفر، وكانت أطروحة الإمام الحسين (عليه السلام) على أوجها في محاربة بؤرة الفساد المتمثلة بإمارة يزيد اللعين ورفضها، الأمر الذي أوجب نهوضاً ثورياً وحركة فكرية خلّاقة قلبت موازين الحساب الأمويّ، وكشفت شعاراتهم الزائفة. هكذا استخدم أهل البيت (عليهم السلام) كلّ طاقاتهم البنّاءة لنصرة خطّ الإسلام الأصيل، وما جولة الإمام الحسين (عليه السلام) العالمية التاريخية إلّا دليلٌ حيويٌّ على نضاله المبارك. وستكون لتلك الجولة الدامغة بين قوى الحقّ والباطل التي تصدّرها الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء جولة أخرى مماثلة يرفعها محرّر ومخلّص الإنسان من عهود الظلم والجور، فتلك الراية الخفّاقة التي رفرفت في سماء يوم العاشر من شهر محرم الحرام سيرفعها مجدّد العهد والدين إمامنا المنتظر الحجة بن الحسن (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بإذن الله تعالى؛ لتزدان محطات الالتقاء في أكثر من تشابه، فكلا الإمامين المعصومين (عليهما السلام) ثائران ضدّ قوى الظلم، فالإمام الحسين (عليه السلام) ثار ضدّ الظلم الأمويّ والوضع الاجتماعي الفاسد آنذاك، أمّا الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فسيثور ضدّ الظلم والجور الذي سيملأ الأرض، ويهب ناشراً السلام والأمان بعد أن عاث الظالمون في الأرض فساداً. وقد جاءت نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) لتكون المقدّمة للنهضة المهدوية، إذ ستأتي النهضة المهدوية بهتاف مدوّي استلّ من وميض نهضة عاشوراء، إذ ستخفق الرايات صدّاحة بـ (يا لثارات الحسين). وأنّ دعوة الإمام الحسين (عليه السلام) جاءت للعالم الإسلاميّ خاصة؛ لأنه سلام الله عليه خرج لأجل الإصلاح في أمّة جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أمّا دعوة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فستكون للكون كلّه، فهي دعوة عالمية، ليتحدا في الأول والأخير بالتصدي والرفض للظلم أينما كانت دولته، وعلى الرغم من وحدة الأهداف بين النهضتين العظيمتين إلّا أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) قد حارب وجاهد مع علمه بحتمية قتله، بينما الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فسيحارب ويجاهد ويقوم بنهضته مع علمه بانتصاره وإرساء دولته الموعودة. هكذا ازدانت النهضتان بوجوه التشابه والاختلاف، وأشرقت في سماء الحياة بآيات البذل والجود والجمال، وبهذا رفع أهل البيت الأطهار (عليهم السلام) هتافاتهم الرافضة: أن لا للذلة، أن لا للفساد، وقد أدلى كلًّ منهم دلوه، إذ أدّى الإمام الحسين (عليه السلام) دوره المرسوم، ووقف بوجه الانحراف الأمويّ بكلّ وضوح، عبر نهضته التي كانت بمثابة هزّة عنيفة أيقظت المسلمين من غفوتهم، وأوضحت لهم انحراف الدرب الذي يسلكونه مع حكّامهم، وكانت لهذه النهضة الجبارة آثار ونتائج صبّت في صالح نهضة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، لتكون من مقدّمات قيامها، ومن دواعي نجاحها. وهاهي النفوس تنتظر على أحرّ من الجمر ظهور المخلّص الموعود، داعية ومبتهلة ومتوسلة ببارئها أن يعجّل من ظهوره الميمون بعدما تغيّرت أحوال العباد، وساد الظلم والفساد من جديد، وضاقت الأرض بما رحبت، ليملأ الأرض عدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً.