رياض الزهراء العدد 124 همسات روحية
فَلسَفَةُ السُّجُودِ فِي زِيَارَةِ عَاشُورَاء
لا يمكن عدّ السجود الوارد في زيارة عاشوراء إلّا سجود شكر، لاسيّما أنه يتضمّن عبارات الحمد والدعاء، وهما من أذكار الشكر، ولعلّ سائل يسأل: كيف يمكن لسجود الشكر أن ينسجم مع زيارة عاشوراء، وما ورد فيها من عبارات كـ (لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجَلَّتْ وَعَظُمَتِ الْمُصيبَةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلى جَميعِ اَهْلِ الاْسْلامِ وَجَلَّتْ وَعَظُمَتْ مُصيبَتُكَ فِي السَّماواتِ عَلى جَميعِ اَهْلِ السَّماوات)؟ ألا يشكّل سجود الشكر تناقضاً مع قتل الأبرار، والتمثيل بأجساد الأخيار، وترويع النساء والأطفال؟ نعم، قد يبدو هناك تناقض لأول وهلة، ولكن بالرجوع إلى النصوص الدينية يزول كلّ تناقض، فقد رُوي عن الإمام الكاظم (عليه السلام): "لن تكونوا مؤمنين حتى تعدّوا البلاء نعمة والرخاء مصيبة، وذلك أنّ الصبر عند البلاء أعظم من الغفلة عند الرخاء"(1)، بل البلاء وإن كان أليماً إلّا أنّ مآله إلى الكرامات، كما رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام): "ما أثنى الله تعالى على عبد من عباده من لدن آدم إلى محمد (صلى الله عليه وآله) إلّا بعد ابتلائه ووفاء حقّ العبودية فيه، فكرامات الله في الحقيقة نهايات، بداياتها البلاء".(2) وقد ترجمت مواقفهم وكلماتهم (عليهم السلام) في تلك الواقعة الأليمة هذه العقيدة، لاسيّما سيّدة الطف زينب (عليها السلام) فقد ترجمتها بسلوكها المفعم بالرضا تارةً، إذ صمدت كالجبل الأشم الذي شقّ سحب المصائب وظلّ شامخاً، وبمنطقها أخرى إذ قالت مقولتها الخالدة: "ما رأيت إلّا جميلاً".(3) ................................... (1) ميزان الحكمة: ج1، ص304. (2) ميزان الحكمة: ج1، ص305. (3) حياة الإمام الحسين (عليه السلام): ج2، ص302.