مَدرَسَةُ أُمِّ البَنِينَ (عليها السلام) النُّسْوِيَّةُ.. عَطَاءٌ مُستَمِرٌّ وَجُهُودٌ حَثِيثَة

آلاء سعيد العيدني/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 217

بعد سنوات من الكبت والحرمان الذي لاحق المرأة خصوصاً في زمن النظام السابق، انتهضت بعد أن حان الوقت للتغيير من واقعها الذي فُرض عليها، وأهم حق تسعى إلى استرداده والمطالبة به هو حقّها بطلب العلم، ولأجل ذلك كرست العتبة العباسيّة المقدّسة جهوداً مضاعفة ودراسة مستفيضة لرفع المستوى الثقافي للمرأة ولحقها بالركب التعليمي، إذ أطلقت العتبة العباسيّة المقدّسة مشروع مدارس الكفيل النسوية الذي يعدّ من المشاريع الضخمة والرائدة، وقد ضمّ هذا المشروع المحافظات كافة، ويهدف إلى تثقيف الطبقة النسوية بعلوم أهل البيت (عليهم السلام) والقرآن الكريم، ولأجل رؤية سير العمل عن كثب في مدرسة أم البنين (عليها السلام) للعلوم الإسلامية وهي إحدى مدارس الكفيل تجولنا في أروقة المدرسة، وكان لنا عدّة لقاءات. لقاؤنا الأول كان مع مديرة المدرسة الأستاذة (بشرى عبد الحسين الشيباني)، باعتباركِ مديرة مدرسة حوزوية كيف تنظرين إلى توجه النساء للمنهج الحوزوي؟ بحمد الله تعالى هناك توجه كبير لهذا الجانب، ولا يقتصر هذا التوجه على النساء ربّات البيوت، بل حتى طالبات المدارس والجامعات والموظفات والخريجات، وهنّ متمسكات بهذه الدراسة لِما رأينَ من فائدة ملموسة، فالمرأة أدركت أن المنهل الصافي الذي يروي ظمأها هو طريق تعلّم علوم آل البيت (عليهم السلام)، وعاماً بعد عام يزداد الإقبال على التسجيل، فسابقاً كان عدد الطالبات (25طالبة)، إذ كانت تقام حلقات الدروس الفقهية والعقائدية والأخلاقية في الحسينية، أمّا بعد فتح المدرسة فقد زاد الإقبال حتى وصل العدد الكلي إلى ما يقارب (70طالبة) موزّعة على ثلاث مراحل مع وجود صف كامل لمحو الأمية. هل هناك محفّزات تقدّمها المدرسة للطالبات؟ نعم هناك محفّزات كثيرة منها النقل المجاني للطالبات من وإلى المدرسة، وهذا ما جعل الإقبال كبيراً للدراسة في الحوزة، وكذلك توفير رياض الأطفال ممّا يجعل الأم تدرس وهي قريرة العين، إذ تقوم المدرسة المشرفة على ذلك بنشاطات متنوعة للأطفال من تعليم الحروف وبعض السور القرآنية القصار، وكذلك حفظ الأناشيد التي تناسبهم وتشجيعهم على الرسم عن طريق إقامة المسابقات وتوزيع الهدايا لهم. وكذلك هناك سفرات دورية للطالبات تنظمها إدارة المدرسة لزيارة مراقد الأئمة (عليهم السلام) وإقامة المناسبات الدينية من المواليد والوفيات، وهذا نوع من الترفيه وتغيير الأجواء، كي لا يكون هناك ملل في الدراسة.   حدثينا عن قسم محو الأمية وكيفية الإقبال عليه؟ بمبادرة كريمة من سماحة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه) وبالتنسيق مع قسم التربية والتعليم في العتبة العباسيّة المقدّسة تمّ فتح صفّ لمحو الأمية في مدارس الكفيل النسوية، وباعتباري مديرة لإحدى هذه المدارس أثمن هذه المبادرة الكريمة، إذ أتاحت فرصة للمرأة التي حُرمت من التعليم لأخذ نصيبها ومنحها هذه الفرصة، وما إن سمعت النساء بذلك توافدن على المدرسة لأجل التسجيل، ولم يقتصر ذلك على النساء الكبيرات في السنّ، بل هناك فتيات في سنّ صغيرة حُرمن من التعليم التحقن بالمدرسة، الإقبال جيّد إذ المرأة متلهفة لتعلم القراءة والكتابة خصوصاً قراءة القرآن الكريم ومعرفة أحكام دينها ولاسيّما تواجد المدرسة في هذا المكان الذي هو أشبه بالريفي، فيصعب على النساء الخروج لأماكن بعيدة في طلب التعلم، فموقع المدرسة في غمّاس، وهي إحدى نواحي الديوانية التابعة لقضاء الشامية. انتقلنا بجولتنا الثانية للملاك التدريسي تحديداً مع المدرسة الحاجة (سعدية چفات) وحدثتنا عن واقع الطالبات بقولها: بدأت التدريس منذ ثلاث سنوات، وأرى في عيون الطالبات لهفة التعلّم، وهذا ممّا يجعل وقت الدرس المقرر يمرّ بسرعة للمناقشات والمداخلات التي تثيرها الطالبات، وهي إيضاح أكثر للمادة المقررة، وبحمد الله تعالى النسبة التي حققتها المدرسة في الامتحان الذي أجرته العتبة العباسيّة المقدّسة للطالبات جيدة جداً، ويعود ذلك للرغبة الشديدة في التعلّم للعلوم الدينية. لم نبتعد قليلاً فقد شاركتنا الرأي الأستاذة (منى نوماس): تحوي المدرسة نخبة كبيرة من النساء اللّاتي بحاجة للدراسة وجئن للالتحاق والتعلم، ورغم أنّ هناك نساء كباراً في العمر إلّا أنّ رغبتهن في الدراسة لا توصف، وسعيهن إلى البحث في المصادر والحرص على إنجاز الواجبات يحتم علينا شكرهنّ لِما نرى من رغبة عالية، وهذا شيء نفتخر به لوجود نساء قادرات على تغيير أنفسهنّ وتثقيفها بما ينفع ويخدم المجتمع. أختمت جولتنا باستطلاع آراء الطالبات حول الوضع العام للمدرسة وما تقدّمه: تحدثت الطالبة (التفات عبد الزهرة/ مرحلة ثالثة): أنا أقضي أوقات مثمرة بتعلّم علوم أهل البيت (عليهم السلام) ومعرفة الأحكام الشرعية، فأنا أجد هذه الدراسة غيّرت حياتي واتضحت لي أمور كنت أجهلها، وكذلك سهّل عليَّ الأمر وجود حضانة للأطفال لاصطحب معي ابني، وأنا مطمئنة لوجوده جنبي. شاركتنا حديثنا الطالبة (إيمان/ مرحلة أولى): أجد أنّ الدراسة والتعلّم في المدارس الحوزوية له مذاق مختلف، وهو سفينة النجاة في ظل العواصف والمتغيرات التي تحدث اليوم، والملاك التدريسي ملم بكافة الجوانب ومتسع الصدر لسماع أحاديثنا الخاصة إن احتجنا مساعدة أو نصيحة. وأضافت الطالبة (مروة علي): من الضروري على المرأة أن تثقف وتطور من نفسها، فهذه فرصة لا تقدّر بثمن، فلم يكن بالحسبان أن تكون في هذا المكان بالتحديد مدرسة تقدّم لنا ثقافة وعلوماً مختلفة على طبقٍ من ذهب، وحريّ بنا أن نتسلّح بما ينفعنا ويخدمنا. وتضمّ المدرسة مكتبة تحوي مصادر ومراجع، وهي في متناول أيدي الطالبات كي يتزودنَ بما ينتفعنّ به، وهي مصدر آخر للدرس. الخاتمة: يبقى تحصيل العلم هو السلاح الحقيقي بيد المرأة، وهو مصدر قوة لها ولأبنائها، ولكلمتها تأثير كبير في المجتمع وبخاصة على بنات جنسها، وقد فتحت العتبة العباسيّة المقدّسة أبوابها للراغبات في الالتحاق بركب العلم والعلماء، وهذه فرصة ذهبية لإثبات جدارة المرأة في هذا المجال.