سَعَادَتُهُم _ مُرَاعَاةُ النَبِيّ (صلى الله عليه وآله) لِأَولَادِ جَعفَرٍ الطَّيَّار (عليه السلام)

رنا محمّد الخويلدي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 206

كان قلبه صبحاً يكشف الهم عن الضعيف فلقّب بأبي المساكين، وأطار بكفيه رؤوساً للكافرين، حتى انقطعتا فصار في الجنّة طيّاراً ذا جناحين، كان ذا سمات شريفة مطابقة للإسلام قبل الإسلام، رُوي عن الإمام الباقر (عليه السلام): أوحى الله إلى رسوله (صلى الله عليه وآله): "إنّي شكرت لجعفر بن أبي طالب (عليه السلام) أربع خصال، وهي أنَّهُ لم يشرب خمراً، ولم يكذب، ولم يزن، ولم يعبد صنماً قط"(1)، ذلك هو جعفر الطيار (عليه السلام) ابن عم النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأخو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي جعله النبي (صلى الله عليه وآله) قائداً على جيش المسلمين في معركة مؤتة حتّى قُطعت يداه واستشهد، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "لقد أبدله الله بهما جناحين يطير بهما في الجنّة"(2)، وذُكِرَ أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) يوم استشهد جعفر الطيار (عليه السلام) بكى بكاءً شديداً وأدخل زوجة جعفر (عليه السلام) وأولاده في بيوته يتغذون من غذائه ثلاثة أيام، وكان يدعو لأولاد جعفر (عليه السلام) بحسن الخلف ويقول: "اللهم إنَّ جعفراً قدم إلى أحسن الثواب، فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته"(3), و كان يهتم برزقهم حتى دعا لعبد الله بن جعفر بقوله (صلى الله عليه وآله): "اللهم بارك له في صفقته"(4) بل لم يكتفِ ذلك حتى أراد لأولاد جعفر (عليه السلام) زوجات صالحات فنظر إلى أولاد الإمام علي (عليه السلام) وأولاد جعفر (عليه السلام) وقال: "بناتنا لبنينا وبنونا لبناتنا"(5)، وكانت عمدة هذهِ الرغبة من النبي (صلى الله عليه وآله) هو زواج السّيّدة زينب (عليها السلام) عقيلةِ الهاشميين من عبد الله بن جعفر (عليه السلام) المعروف بالبلاغة والسخاء، وهذا يحفّزنا لمدارات اليتيم في مجتمعنا، ومراعاتهُ خطوة بخطوة, فالنبيّ (صلى الله عليه وآله) راعى في أولاد جعفر (عليه السلام) صلة القرابة لهم وحق اليتم فيهم، ولم ينفك عنهم حتى جعل دعاءه رفيقاً لهم حتى بعد وفاته، ولم يمر على أسماء بنت عميس ذل الحاجة والمسألة في وجود النبيّ (صلى الله عليه وآله) أبداً، بينما إلى الآن -في مجتمعنا- نجد هناك من يفكّرون اتجاه الفقراء واليتامى تفكير الكافرين بالنعمة الذين قال الله (سبحانه وتعالى) عنهم في كتابه الكريم: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)/ (يس:47) فنجدُ هنالك من الأيتام من يفتقد إلى العطاء المادي فضلاً عن العطاء العاطفي، فتكون المسؤوليّة بذلك مضاعفة على أمّهاتهم، ما يجعل بعضهن يضطررن إلى العمل حتى ولو في البيوت أو التذلل وطلب المال حتى من اللئام لسدّ حاجة أولادهن، وهذا الأمر بلا شك يأخذ المجتمع نحو الهاوية، لذلك ندعو إلى الرفق باليتيم والفقير بشكل عام والإحسان إليهما كما قال الله تعالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ)/ (الضحى: 9، 10) وأن يخالط المجتمع اليتامى مخالطة تسدّ لهم ثغرة اليتم كما قال الله (سبحانه وتعالى) في محكم كتابه: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ/) (البقرة:220)، وكما كان النبيّ (صلى الله عليه وآله) يفعل مع يتامى جعفر الطيار (عليه السلام)، حتى أنَّ إكرام النبيّ (صلى الله عليه وآله) وسخاءه فيهم كان له أثره؛ إذ صار عبد الله بن جعفر من أشهر كرماء العرب وأسخاهم فعزّ من قال في محكم كتابه: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ)/ (الأعراف:58). ...................... (1) مستدرك سفينة البحار: ج2، ص68. (2) بحار الأنوار: ج21، ص62. (3) مستدرك الوسائل: ج2، ص271. (4) بحار الأنوار: ج21، ص53. (5) من لا يحضره الفقيه: ج3، ص393.