سَيِّدَةُ النُّور

آمنة الساعدي/ ميسان
عدد المشاهدات : 178

تكوّنت وخُلقت في رحمٍ طاهرٍ مقدّس، ولدتها سيّدة قد أزهر نورها في السماوات والأرض، طفلة فتحت عينيها على الخمسة من أصحاب الكساء.. ترعرت في كنف نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أنفسنا وأنفسكم). وكان أبوها الأمير (عليه السلام) ينبهر من شدّة ذكائها، فقد قالت له في إحدى أيام طفولتها: "أتحبّنا يا أبتاه؟ فقال (عليه السلام): وكيف لا أحبكم وأنتم ثمرة فؤادي، فقالت (عليها السلام): يا أبتاه إنَّ الحبَّ لله تعالى والشفقة لنا".(1) وأمّا في شبابها فتميّزت بالعفّة والتقوى دون غيرها من الفتيات فكان حتى لا يُرى حتى ظلّها، وعفة المرأة لا تعني الانعزال والسكون بل تعني عدم الابتذال والاحتشام والاتزان. فإذا كان الظرف يحكم بخروجها لنشر الإصلاح أو الوقوف بوجه طاغية زمانها، وجب عليها ذلك إذا كان العقل يحكم بالخروج والتحدّث مع الرجال. فنرى هذه السيّدة أنموذجاً متكاملاً للمرأة المسلمة المستقيمة ويحتار اللبّ والقلم في وصفها، فالمرأة تتحلّى بالشفافية ورقة العواطف لتكون مهيأة لدور الأمومة والحنو على أفراد أسرتها؛ لذلك تكون انفعالاتها العاطفية مؤثّرة أكثر من الرجل، ولكن غلبة هذه الصفة على المرأة لا يعني انطواءها وعدم قدرتها على الوصول إلى الصبر والسمو في مراحل الحياة والصمود فيها. وما أثبتته سيّدة النور زينب (عليها السلام) هو أنَّ المرأة إذا كانت تتصف بالوعي ورزانة الشخصية وتطمح لهدف متعالي فبإمكانها أن ترسم للأجيال لوحة رائعة في الصبر والثبات أمام صعوبات الحياة الدنيا. فالسيّدة الحوراء (عليها السلام) ضربت أروع الأمثلة في مواجهة الآلام التي أحاطت بها منذ نعومة أظفارها، ففي واقعة الطف وما تلاها من ابتلاءات وبعد الرجوع لمدينة جدّها رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخرست الطغاة بمواقفها المشرّفة، وثباتها على نهج أخيها، وإعلاء كلمة الحق، وجعل كلمة الباطل هي السفلى، وأكملت تضحيات أخيها بدورها الإعلامي البارز بنشر مظلومية وأحقية آل ياسين (عليهم السلام) فكما ورث الإمام الحسين (عليه السلام) شجاعة أبيه كذلك السيّدة زينب (عليها السلام) ورثت من أمّها البلاغة والعفة والنجابة والقدرة على إلقاء الخطاب المؤثّر في النفوس والرواح، فالسلام عليها يوم وُلدت ويوم استشهدت ويوم تبعثُ حية. ............................................. (1) العقيلة والفواطم: ص30.