رياض الزهراء العدد 128 الملف التعليمي
التَّعلِيمُ بَينَ مِطْرَقَةِ الإِهمَالِ وَسِندَانِ الكَثَافَةِ العَدَدِيّة
يعدّ المجتمع الطلابي مجتمعاً متميزاً، نظراً لتركيبة أفراده الذين تربطهم علاقات خاصة وتجمعهم أهداف موحّدة، في ظل مجتمعٍ تربوي تحكمه أنظمة وقوانين تنظّم مسيرة العمل داخله، وعلى الرغم من ذلك فقد شهد هذا المجتمع الكثير من المشكلات التربوية والتعليمية التي أثارت حفيظة التربويين؛ ومن تلك المشاكل: قلّة عدد الصفوف، وصغر مساحتها مقارنة بأعداد الطلبة المتواجدين في كلّ مدرسة، إذ تُعد مشكلة تكديس الطلبة في صفٍ واحدٍ من أهم المشكلات التي يعاني منها المجتمع المدرسي، وذلك لِما لها من تأثير سلبي في حياة الطالب الدراسية؛ كونها تسهم في إخفاقاته التحصيلية، حيث يعاني كلّ من المعلّم والطالب من ضيق مساحة الصفوف الدراسية وكثرة عدد الطلبة في الصف الواحد، وهذه الزيادة ترهق المعلّم وتضعف تركيز الطالب، لذلك يتوجّب على التربية أن توفّر البيئة التعليمية المناسبة التي تنتج التفاعل الإيجابي بين المعلّم والمتعلّم, كما أنَّ لهذه الظاهرة تأثيراً مباشراً في العملية التربوية قبل التعليمية بوصف الأولى أساس الثانية (التعليم)، ولتسليط الضوء أكثر على هذه الظاهرة أجرينا بعض اللقاءات مع من يخصّه الأمر، فقد عدّ أولياء الأمور كثرة عدد الطلبة في الصف سبباً رئيساً لتدنّي مستوى تحصيل الطلبة الدراسي، حيث أكّدت والدة الطالبة (يقين أسعد الغزي/ الخامس الابتدائي/ مدرسة البصائر/ محافظة البصرة/ قضاء الزبير/ ناحية خور الزبير): إنّ الكثافة البشرية المفرطة في كلّ صفٍ من صفوف مدارسنا لها آثار سلبية على الطالب والمعلّم، بحيث يشتت انتباه الطلبة ويقل تركيزهم أو يضعف ومن ثمّ يؤدي إلى صعوبة إيصال المادة الدراسية بالشكل المطلوب، ومن المعلوم لدى الجميع إنه كلّما ازداد عدد الطلبة كلّما ازدادت احتياجاتهم وأسئلتهم، وهذا يشكّل إرباكاً للمعلّم ومن ثمّ يؤثر في سير الدرس بالشكل المطلوب. بينما قال والد الطالب (مرتضى سعيد حميد/ الصف الأول/ متوسطة الشهيد مهدي العطار/ النجف الأشرف): إنّ من جملة الصعوبات التي يعاني منها المعلّم مع الطلبة هي الفوضى، وعدم السيطرة على انضباط الطلبة في الصف الواحد، ممّا يؤدي إلى انشغال المعلّم عن أداء وظيفته في التعليم والاقتصار على التربية فقط. كما أكّد عدد من المعلّمين والطلبة أنَّ زيادة أعداد التلاميذ في الفصول الدراسية يسبب مشاكل نفسية وصحية وتعليمية للطلبة، من ثمّ يؤثّر في المعلّم وتحصيل مستوى الطلبة الدراسي, وأوضحت الست (نبأ صالح مهدي/ مدرسة في مدرّسة أرض الرسالات الابتدائية للبنات/ البصرة/ قضاء أبي الخصيب): إنّ صغر مساحة الصفوف وكثافة عدد التلاميذ يشكّل عائقاً كبيراً يؤثر في سير العملية التربوية، مثلما يمثل حاجزاً أمام تقدّم التلميذ دراسياً؛ لأنه سبب في إرباك الواقع التعليمي، وهو سبب أيضاً في عدم استيعاب الطالب للمادة الدراسية المطروحة، وأضافت أنَّ كثرة الأعداد يثقل من كاهل المعلّم؛ وذلك لضيق الوقت في متابعة الطلبة، بحيث يصعب معرفة الفروق الفردية بينهم، وفقدان المثير والاستجابة فيهم، وكذلك عنصر التشويق في الدرس، مثلما يؤثر ذلك في الجانب الصحي حيث يشكّل تزايد أعداد الطلبة مؤشراً خطيراً كونهم عرضة للإصابة بالأمراض المعدية، ناهيك عن مشاكل النمو وما يرافقها من آثار سلبية؛ لأنّهم في طور النمو وهم بحاجةٍ إلى مساحة أسع وحرية أكبر في الحركة، فضلاً عن التهوية الصحيحة للصفوف، وأستطيع أن أعطي مثالاً عن عدد الطالبات في مدرستي للصف الواحد الذي يصل إلى (80) طالبةً بمساحة صفٍ، يتجاوز (20) متر مربع. كما أوضحت (سارة أحمد/ بكالوريوس لغة عربية): إنك إذا أردت أن تدمر أمّة فعليك بتدمير أساسها وهو التعليم، والدول المتقدّمة اليوم أدركت هذه الحقيقة، فوضعت الأسرة التعليمية في رأس الهرم، وأولتها اهتماماً كبيراً، فالمدارس عندهم أصبحت أرقى الأماكن وأنظفها وأجملها وأكثرها إسعاداً للنفس، كما أنَّ جميع من في الدراسة يحظى بمكانة اجتماعية مميزة واحترام كامل، ويتمتعون جميعاً بكلّ حقوقهم الإنسانية والتعليمية، لكن مع بالغ الأسف نرى اليوم وفي بلدنا العراق أنّ هناك الكثير من المدارس القديمة والآيلة للسقوط، وهي خالية من أبسط متطلّبات التعليم والترفيه، حيث يعاني فيها الطلبة من الحرِّ والبرد، وقلّة الكتب أو انعدامها أحياناً، ناهيك عن تكديس الطلبة في الصفوف الصغيرة التي لا تستوعب أعدادهم، إنَّها حقاً جريمة في حقِّ المتعلّمين، حيث إنّ هذه الأمور تدمّر البيئة التعليمية وتجبر الطلبة على النفور من المدرسة ومن موضوعة التعليم ككل. بينما قالت الطالبة (أم البنين عارف/ الرابع الإعدادي/ ثانوية آمرلي/ النجف الأشرف): من وجهة نظري كطالبة في الثانوية أقول إنهُ من المهم جداً للطالب أن توفّر له التربية بيئةً مناسبةً للتعليم، حتّى يتمكّن من فهم المادة الدراسية بالمستوى المطلوب، لكن نشاهد اليوم وفي مدرستنا وباقي المدارس هناك عوائق تقف أمام الطالب من أهمها كثرة أعداد الطلبة في الصف الواحد؛ حيث يتم دمج أكثر من (3) طالبات في المقعد الدراسي الواحد، وهذا بالتأكيد يؤثر في الطالب والملاك التدريسي، ممّا يؤدي إلى عدم استيعابنا للمادة الدراسية، فضلاً عن معاناتنا بعدم المشاركة في الأسئلة والمناقشة مع مدرّسة المادة بسبب ضيق وقت الدرس، ويكون الخاسر الأول والأخير الطالب وحده لا غير. بينما أشارت الطالبة (نور الهدى عبد الحميد/ السادس الإحيائي/ مدرسة بانيقيا الأهلية/ النجف الأشرف): إنَّ كثرة أعداد الطلبة في الصف الواحد تجعل بعض المعلّمين غير مهتمين بالطلبة ولاسيّما الضعفاء منهم بحجّة قلّة وقت الحصة الدراسية، ويبقى اعتماد المعلّم على الطلبة الجيدين فقط لغرض إنهاء المنهج، ومن ثمّ عدم مشاركة بقية طلبة في الدرس، وهذا الأمر من شأنه أن يؤدي إلى اتساع لجوء الطلبة للمدارس الأهلية وتعاظم هذه الظاهرة التي توفر الوقت والمكان المناسبين كي يستوعب الطالب المادة، وبلا شك أنّ المدارس الأهلية تشكّل عبئاً على أولياء الأمور، وذلك لارتفاع الأجور الدراسية ولاسيّما للمراحل المنتهية. وبعد هذه الجولة مع أولياء الأمور والطلبة والمدرّسين توجّب علينا كإعلام أن ندعو المؤسسة التعليمية والتربوية أن تسعى جاهدةً للحدِّ من هذه الظاهرة الخطيرة التي يعاني منها (80%) من طلبة المدارس في عموم العراق و يتوجّب عليها أن تقف وقفةً حازمةً لحلّ هذه الأزمة التي ترهق المعلّم والطالب على حدٍّ سواء، كما يتوجّب القيام بحملةٍ وطنيةٍ شاملةٍ وبالسرعة الممكنة لبناء المزيد من المدارس كي تستوعب أعداد الطلبة الذين هم في طور الزيادة، وعليها أن تعمل كمؤسسة تعليمية على تحسين أداء الهيأة التدريسية، عن طريق إقامة الدورات، وعقد الندوات اللازمة للارتقاء بمستواهم العلمي والمهني، حتى نتمكّن من تنشئة جيلٍ مثقفٍ واعٍ، يسهم في بناء البلد والنهوض به نحو الأفضل.