الوَزْنُ العِلْمِيّ

زهراء حسام الشهربلي/ الناصرية
عدد المشاهدات : 144

مشاكل التعليم كثيرة، تنفتح في كلّ مشكلة منها أبواب من المشاكل إلّا أنَّ ناتج جميعها هو أزمة الوزن العلمي، الذي يعني مقدار العلم والفهم الذي يحمله الطالب والأستاذ قبل العنوان الذي يحمل؛ فكم من عنوان كان أكبر مقاساً على معنونهِ والعكس. كأغلب المشاكل فإنَّ مشكلة الوزن العلمي تعمُّ الطلبة وأسرهم وأساتذتهم، وتتركّز في نظرة كلّ أولئك إلى المدرسة، والجامعة، والتعليم بصورةٍ عامة.. فكيف هي نظرة التلميذ في الابتدائية إلى مدرسته ودروسه؟ وعلى أي أساس يتم دفع الأطفال إلى المدارس من قِبل ذويهم ومجتمعهم؟ وعلى أي أساس يمارس الأستاذ مهنة التعليم؟ بدأت تتأصّل في نفس التلميذ الرغبة في امتلاك شهادةٍ لغرض التكسّب بها، ويُدفع من قبل الأهل أو يوبّخ إذا ما قصّر في واجباته بأنَّهُ سيبيع (الأكياس) مثلاً إذا لم يدرس جيداً، ويبقى على مستواه المتدنّي الذي هو عليه الآن، كذلك تعيش هذه النيّة معه وينمو هذا الهاجس على طول سنيّ الدراسة، ومثل هذا الهاجس ينعكس على تعامل الطالب مع المعلومات التي يتلقّاها في المدرسة، هل هي لأجل تطوير مستواه العلمي وتحصيل العلم أو لأجل خزنها في الذاكرة لمدّةٍ مؤقتة كما تخزّن الإسفنجة الماء، ثمَّ عصرها في ورقة الامتحان لنيل النجاح والحصول على الشهادة لتعود الإسفنجة فارغة! فينتج عن ذلك تبعات سلبية مفادها مخرجات من الطلبة فارغة علميّاً، لا تجيد حتى الإملاء بعد التخرّج! وهذا ما يلاحظ بكثرة في المدارس والجامعات. كما تؤثّر هذه النظرة في اختيار المهنة والعمل الذي سيمارسه بعد إنهاء الدراسة والتخرّج منها، سيكون الاختيار تبعاً لمقدار المال الذي تدره عليه المهنة، الآن لو سألت كثيراً من الأطفال ماذا تريد أن تكون، سيجيبك: طبيب، وكذلك الأهالي، وليس هذا الاختيار لما تمثّله مهنة الطب من خدمةٍ إنسانيّةٍ؛ بل لأنَّ (تعيينها مضمون) كما يصطلح الناس وربحها وفير، بينما نجد أطفالاً كثر في بقية البلدان، كلٌّ له اختصاص يحبّه وطموح ينوي بلوغه، وهذا هو الأمر السوي الذي تنتظم به حياة البشر، فلو كان الجميع أطبّاء مثلاً كيف نشيّد ونصمم بناياتنا؟ ومن يُدرّس التلاميذ والطلبة؟ ومن هذه المشاكل تتبيّن الحلول ومسؤولياتها أيضاً تقع على أصحاب المشكلة أنفسهم، بتصحيح تلك النظرة، وهناك عدّة نظرات سامية للتعليم مثل النظرة الدينيّة وما أولاه الدين من اهتمامٍ بالعلم وطلبه، أو بالنظرة الإنسانيّة التي تجعل العلم وسيلةً للنهوض بواقع الإنسان وواقع البلد ولاسيّما بلدنا العراق؛ الذي شهد الكثير من الدمار، ونلاحظ أنَّ المرجع الديني الأعلى السّيّد السيستاني يقول بهذا الشأن: (ضرورة الاهتمام بكافّة العلوم التي تسهم في مساعدة الناس وخدمتهم، فالعلم لا ينحصر فقط في العلوم الدينية)(1)، وهذه النظرة تحمل شعوراً بالمسؤوليّة، لابدّ أن يكون في نفس كلِّ مؤمنٍ وكلّ غيور على بلده وأبنائه. إذ يجب النظر إلى الدراسة على أنها علم يطلبه المرء ويُثاب عليه بمقدار الجهد الذي بذله من أجل تحصيله، وهو وسيلة لخدمة الناس ستقلّل من معاناة الطالب وشعوره بالضغط النفسي تجاه تحضيراته وامتحاناته المدرسيّة، فضلاً عن الغاية الكبرى وهي أصل كلامنا بالاهتمام بالعلم بالاعتبارات التي ذُكرت لا بالاعتبارات الشخصيّة الضيّقة، كمجرد الحصول على شهادة يتم التباهي والتكسّب بها. والملاحظ أنَّ هذه النظرة الضيّقة تنعكس عند مزاولة العمل بعد التخرّج وتنتشر قضايا الفساد المعاملاتي؛ كالرشوة وعدم الحضور في الوقت المقرر للعمل، والتغيّب، وعدم الإخلاص وإتقان المهنة؛ لأنَّ الغاية عند مثل هؤلاء لا العباد ولا البلاد، وإنّما جني المال بأي طريقة. في الختام، تمَّ التطرّق إلى المسؤوليات التي نستطيع نحن النهوض بها، وإلّا فمن ضمن معالجات الوزن العلمي هي المناهج الدراسيّة التي عليها من الملاحظات الكثير، والتي ينبغي على الحكومة العراقية والوزارات المعنيّة الاهتمام بها، كما لا ننفي الحاجة إلى مصدر رزق حلال يعفّ الإنسان به يده وتحصيله عن طريق دراسته يعد حلالاً طيّباً بجهده وتعبه، لكن لا عن طريق تحويل غاية التعليم إلى مجرد التكسّب. .......................... (1) الموقع الإلكتروني لمكتب السّيّد السيستاني: https://www.sistani.org/arabic/in-news/25491/