التَّعلِيمُ في زَمَنِ العَزْلِ بَينَ النَّظَرِيَّةِ وَالتَّطبِيقِ

م. د. خديجة حسن القصير/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 208

لم يعد يخفى على أحدنا أنّ الحروب والنزاعات والكوارث الطبيعية لا ترحم البشر ولا تميّز بين إنسان وآخر؛ فهي تحصد الكلّ رجالاً ونساءً حتى الأطفال، وفي الحقيقة الأطفال همّ الأشدّ معاناة في البلدان المتضرّرة من حالات الطوارئ، عادة ما يفقد هؤلاء كلّ ما يطمحون إليه بما في ذلك أسرهم وأصدقائهم وأمنهم وحياتهم اليومية وصولاً إلى التعليم الذي هو بوتقة الحياة والتطوّر بالنسبة إلى الفرد، وعلى مدار النصف قرن الماضي شهد العالم أعدادًا متزايدة من الأزمات الناجمة عن النزاعات والكوارث الطبيعية والأوبئة، والأسوأ من ذلك أنّ العديد من الأزمات هي طويلة الأمد، تمتدّ لتشمل مرحلة الطفولة بأكملها، وتظلّ مستمرّة لأجيال متتالية وعندما تعطّل الدراسة فإنّها لا تقوِّض رفاه الأطفال في الوقت الحالي فحسب، وإنّما تضع مستقبلهم أيضًا ومستقبل مجتمعاتهم في موضع الخطر. ولم يعد خافياً على أحد حجم المخاطر التي يواجهها كوكب الأرض بسبب الأنشطة البشرية التي تأتي على رأسها الأسلحة النووية، وظاهرة الاحتباس الحراري، وغيرها من الاختلالات البيئية والأوبئة الناتجة عن التلاعب بالجينات الوراثية باستخدام التكنولوجيا الحيويّة. وما نواجهه اليوم من أزمة (كورونا) هذا الفيروس الخطير الذي يهدّد حياة البشريّة هو خير دليل على كلامنا هذا، ففي أقلّ من شهر اكتسح هذا الفيروس مناطق مختلفة من العالم، ولم يميّز في انتشاره مدينة دون غيرها، وأدّى إلى عرقلة تامّة في مختلف جوانب الحياة اليومية بالنسبة إلى الفرد بما في ذلك توقّف المدارس والجامعات والمعاهد عن استقبال طلبتها، واضطرار أغلب الدول إلى البحث عن البدائل التي عن طريقها من الممكن أن يحدّ من انتشار الفيروس بين الطلبة خصوصاً وهو ينتشر عن طريق التجمّعات بشكل رهيب، وفي الوقت نفسه تدارك ما يمكن تداركه من تأخّر قد حصل في المنظومة التعليميّة لأغلب الدول وتعويضه، وكان الحلّ الأمثل لهذا الأمر هو اتّباع نظام التعليم الإلكتروني. وقد أشار البعض من خبراء التربية إلى ضرورة إتاحة فرص التعليم للجميع بغضّ النظر عن الجنس أو مكان السكن، أو الطبقة الاجتماعية، وفي كلّ الأوقات، والتعلّم عن بعد أو التعلّم الالكتروني(E-learning) يعدّ وسيلة من الوسائل التي تدعم العمليّة التعليميّة والتعلميّة الإلكترونية والإبداع والتفاعل، وتنمية المهارات واستخدام التكنولوجيا في التعليم لتحتلّ موقع الصدارة من اهتمامات المفكّرين التربويين ليس على الصعيد الوطني فقط، بل على مستوى العالم، وهذا بمجمله لن يحسّن التعليم والتعلّم، بل سيحسّن كلّ مظاهر الحياة، حيث يجب أن تتوافر التكنولوجيا في المنهاج المدرسيّ، وفي غرفة الصفّ، وفي أساليب التدريس والأنشطة والوسائل التعليمّية- التعلميّة، إلى غير ذلك من الأمور التي تُلبّي حاجات جميع الطلبة على اختلاف إمكاناتهم وقدراتهم، وهذا يتطلّب توفير المحتوى المناسب ووسائل الربط الإلكترونيّ ومصادر المعرفة الرقمية لمحاكاة مجتمع متنوع وضمان التعلّم للجميع ، ولأنّ التعلّم عن بُعد لا يحقّق الانتاجية المطلوبة إذا بقي متروكاً إلى الجهود الفردية للمعلّمين والطلبة، وقدرتهم على الوصول إلى شبكة الإنترنت، وإمكانية استخدامهم لأحدث التطبيقات التي تساعد على شرح الدروس التفاعلية وإنجاز الامتحانات، فهنا يقع على عاتق الدول والحكومات أن تسعى في مثل هذه الظروف إلى دعم المنظومة التعليميّة والمدرّس قدر الإمكان، وذلك بتوفير كلّ ما من شأنه أن يساعد على إنجاح منصّة التعليم الإلكتروني بالشكل الذي يخدم الطالب، ويوفّر له ما يحتاجه في سبيل تحقيق النجاح وتجاوز هذه المرحلة.