أُسلُوبُ الحِوَارِ فِي القُرآنِ الكَرِيمِ

آمال شاكر الأسديّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 171

لمّا كان الأنبياء والأولياء خلفاء الله (عزّ وجلّ) في الأرض، احتاجوا لإيصال رسالتهم إلى أداة للتواصل الفكري والثقافي والاجتماعي والاقتصادي، وقاعدة أساسية؛ لدعوة الناس إلى الإيمان بالله (عزّ وجلّ) وعبادته، فظهرت الحاجة إلى الحوار، وقد حظيت آيات القرآن بالنصوص التي ترشدنا إلى أهميّة الحوار الذي هو ضرورة حياتية، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 30). وهو من أعظم المناهج التربوية للتعامل، إذ: - "يعلّم الإنسان كيف يكوّن طريقًا للفكر والعقيدة والعمل"(١). - والحوار القرآني لا نجد فيه آثار الصنعة والتكلّف(2). - ويستخدم القرآن الكريم الحوار لإثبات العقائد فيفحم خصمه، ويتبيّن أنّ النبيّ محمّدًا (صلى الله عليه وآله) لا يملك إلّا التبليغ الأمين لرسالة السماء(3). - وللحوار ثمرات، فهو: (عنصر أساسي من عناصر حركة العقيدة في اتجاه الكمال)(4). - وهو وسيلة لجلاء الحقائق واستثارة الضمير والوجدان، ورفض الأوهام والتصوّرات الخاطئة و(يساهم في تحقيق الهدف العامّ للقرآن الكريم، وهو إصلاح الحياة، سواء أكان إصلاحًا في الدين أم في السلوك أم في أيّ جانب آخر)(5). فهو يدعو إلى تحرّر العقل من ربق الاستعباد الفكري، ويهدم التقليـد، ففي قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) (البقرة: ١٧٠)، يقول مبيّنًا حوارهم: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ) (لقمان: ١٧٠)، فهل ترى أسلوبًا أبلغ في إيلام النفس وإيقاظ العقل من سباته من هذا الأسلوب اللاذع في النعت لأولئك السفهاء الذين استهانوا بعقولهم وركنوا إلى التقليد البليد؟! ثم انظر إلى ما خُتِمت به الآيتان من التقريع الساخر الذي ينادي عليهم بالبلادة والجهل والضلال المبين، فالتقليد شرّ كلّه، ولكنّه كان يمكن أن يكون شرًّا محتملًا لو كان التقليد لقوم يعقلون شيئًا، أيّ شيء، ولو عقلوا لاهتدوا إلى الحق، فخاتمة الآية الثانية تفسّر خاتمة الآية الأولى، وتبيّن أنّ عدم العقل وسيلة من وسائل إضلال الشيطان، يدعوهم بها إلى عذاب السعير؛ لأنّهم أهـدروا إنسانيتهم واستهانوا بعقولهم واتّخذوا من دون الله آلهة من الحجارة يُعبَدون(6). وحوار القرآن مملوء بالعِبر والمواعظ، لذا كان حواره تعليميًا من نوع خاصّ، وهو ليس فنًّا خالصًا، بل حوار صاغه الله ليكون مثالًا للناس، وهنا يختلف المؤلِّفون البشر عمّا هو تنزيل من عزيز حكيم، فحوار القرآن لا بدّ من أن يكون المَثَل الأرفع في الخُلُق والإيمان، فإذا نظرنا إلى العرض الفنّي فيه لوجدنا عجبًا(7). .............................. (1) الحوار في القرآن: ص31. (2) ينظر: التعبير الفني في القرآن: ص٢٢٣. (3) تفسير الميزان: ج16، ص١٩٨٠. (4) الحوار في القرآن الكريم قواعده أساليبه معطياته: ج١، ص٣٠. (5) أسلوب المحاورة في القرآن الكريم: ص8. (6) ينظر: القرآن العظيم هدايته وإعجازه في أقوال المفسرين: ص١٦٨- ١٦٩. (7) ينظر: السرد القصصي في القرآن الكريم: ص٥ - ٧.