فَاطِمَةُ الزَّهراءُ (عليها السلام).. ثَمَرَةُ الحُبِّ وَالإِيمَانِ
قُرب زقاق العطّارين في مكّة المكرّمة، في بيت السيّدة خديجة (عليها السلام) وُلِدت بضعة الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله)، التي استقبلها بلهفة وشوق لا مثيل لها؛ لكونها سيّدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وليس لها مثيل في بنات حوّاء طهارةً وعفّةً وإيمانًا وسلوكًا، بعد أن استشعر سموّ منزلتها وعظيم مكانتها عند الله تعالى، واستشفّ من وراء الغيب أنّ نسله الطاهر سيكون منها، وهم سلالة الذهب المرصّع بالعلم والحلم والشجاعة والفصاحة والطهارة، يحملون الرسالة من بعده، وينشرونها من جيل إلى جيل، ويحافظون على الإسلام ويفدونه بدمائهم الزاكية، وقد غمرته موجات من الابتهاج والسرور بزهرائه ومودّتها التي استوعبت مشاعره وعواطفه، وأخلص لها في الحبّ بأعظم ما يكون الحبّ والإخلاص.
بعد ما بُشِّر النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) بولادة ابنته الصدّيقة الزهراء الطاهرة البتول (عليها السلام)، أسرع إلى البيت وأخذها بين يديه وأوسعها ضمًّا وتقبيلًا، وأتمّ مراسيم الولادة المباركة وأنشد في أذنيها نشيد السماء المتمثّل بالأذان والإقامة، وهو أول صوت طرق مسامعها يدعو إلى تكبير الله تعالى في الأرض والسماء.
غذّاها بكلمات الله تعالى المنزّلة على قلبه من أجل إشاعتها بين الناس.
نشأت السيّدة الصدّيقة الطاهرة (عليها السلام) في كنف والدها (صلّى الله عليه وآله)، وفي ذرى عطفه وحنانه، فغذّاها بمواهبه وأفاض عليها ملكاته النفسية التي أشرقت بها الأكوان، وعلّمها كلّ ما نزل من كلمات الله التامّات في القرآن الكريم، وكأنّه يرسلها إلى أولادها من الأئمة (عليهم السلام)، وأحاطها علمًا بجميع ما يتعلّق بالآيات المباركة وأسباب نزولها، وغير ذلك ممّا يرتبط بها، ولقّنها أحكام الشريعة كلّها من عبادات ومعاملات، ورسم لها محاسن الأخلاق وأصول الآداب، وربّاها على الإيمان الخالص بالله تعالى خالق الكون وواهب الحياة.
ومن معالم التربية النبوّية التركيز على معاملة الجار معاملة حسنة، وربطها بقوّة الإيمان، وكانت وصاياه الذهبية تحمل قيم الإسلام ومبادئه، وأكّدت على سلوك المسلم وحديثه وتعامله مع أخيه المسلم، والابتعاد عن الفحش والرذيلة، وأن يتجنّب في كلامه السيّء من القول؛ كي لا ينشر ذلك في المجتمع فيفسده، وأن يتسلّح المسلم بالحياء، وهو من صفات أهل الجنّة.
كبرت السيّدة الزهراء (عليها السلام) وفي مشيتها وكلامها وقسماتها وشمائلها تشبه النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، وتتكلّم كلامه وتنشر مبادئ الدين، فكانت ثمرة من ثمار التربية الصالحة.
رئيس التحرير