(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)
بعد بيان معنى شرح الصدر وأهمّيته وعلاقته بالطمأنينة، سنختم بروايات واردة عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام)، لها مدخلية في شرح الصدر. فاطمة: ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) في تفسير قول الله عزّ وجلّ: (فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ)، أنّه قال: "مَن يرد الله أن يهديه بإيمانه في الدنيا إلى جنّته ودار كرامته في الآخرة يشرح صدره للتسليم لله والثقة به، والسكون إلى ما وعده من ثوابه حتّى يطمئنّ إليه،..."(1). ناهد: هل المقصود أنّ الإنسان المنشرح الصدر هو مَن سلّم أمره إلى الله؟ فاطمة: نعم، هو المسلّم أمره إلى الله تعالى، الواثق به، الساكن المطمئنّ لما وعد من الثواب العظيم. وقد ذكرنا سابقًا أنّ ذكر الله تعالى له الأثر الكبير في انشراح النفس، وهدوئها واستقرارها: (ألا بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، وعن الإمام عليّ (عليه السلام) أنّه قال: "الذكرُ يشرح الصدر"(2). وأمثلة الذكر كثيرة كالدعاء، "فالدعاء إضافة إلى قدرته في بثّ الطمأنينة في النفس، يؤدّي إلى نوع من الانشراح والانبساط الباطني... والسرور، والثقة بالنفس"(3). وقد ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حثّ على الإكثار من الدعاء لشرح الصدر، فعنه (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "أكثَرُ دُعائي ودُعاءِ الأَنبِياءِ قَبلي بِعَرَفَةَ.. اللّهُمَّ اجعَل في قَلبي نوراً، ...اللّهُمَّ اشرَح لي صَدري، ويَسِّر لي أمري"(4). ناهد: وماذا عن أثر قراءة القرآن الكريم نفسه في طمأنينة القلب؟ سؤالي هذا ليطمئنّ قلبي. فاطمة: القرآن الكريم نفسه عامل من عوامل شرح الصدر، وإنزال السكينة، وبثّ الطمأنينة، فعن عبد الله بن مسعود أنّه قال: "إنّ جمعًا من الصحابة ملّوا وتضجّروا، فقالوا لرسول الله (صلّى الله عليه وآله): حدّثنا حديثًا يزيل السأم من نفوسنا والملل من قلوبنا، فنزلت أول آية من الآيات "اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ" - معرّفة القرآن بـ(أَحْسَنَ الْحَدِيثِ)"(5). لاحظي أنّ القرآن الكريم ذكر هذا الموضوع - شرح الصدر- والأحاديث جاءت وأكّدت عليه، ومن ثمّ على الإنسان أن يلجأ إلى الثقلين الهادييْنِ؛ ليهتدي بهما نحو طمأنينة تشمله في دنياه وآخرته. فشرح الصدر منّة كبيرة يمنّ بها الله على رسله (عليهم السلام)، وعلى المؤمنين؛ ليعيشوا بطمأنينة وسكينة، وليبدّد عنهم الهمّ والخوف والقلق: (أَلَمْ نَشْحْ لَكَ صَدْرَكَ) (الشرح: 1). ناهد: شكرًا أستاذة فاطمة على هذا الحوار الشائق والممتع والمفيد، الذي تعرّفت عن طريقه على معاني الطمأنينة في القرآن الكريم، والسنّة الشريفة، وكيف يكون الإنسان مطمئنًا منشرح الصدر في خضمّ المشاكل والابتلاءات، فلا تعصف به يمينًا وشمالًا، مُشتَّتًا ذهنه ونفسه، فتجعل منه إنسانًا ضعيفًا قلقًا خائفًا، بل يكون معتمدًا على الله تعالى، فهو الآخذ بيده إلى برّ الأمان. فالله وحده هو المتصرّف في قلوب عباده، الشارح لها بإزالة الهمّ والخوف والقلق، فعلى الإنسان بعد شحذ الهِمم، التوكّل عليه سبحانه، وأرجو أن تكون هناك حوارات أخرى، لها بصمة طيّبة، طبيبة للقلوب. ................................ (1) بحار الأنوار: ج5، ص200. (2) ميزان الحكمة: ج2، ص972. (3) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج1، ص530. (4) التبليغ في الكتاب والسنّة: ص121. (5) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج15، ص63.