قُرّاءُ الكُتُبِ الوَرَقِيَّةِ.. صَامِدُونَ في وَجهِ الكُتُبِ الرَّقمِيَّةِ..

نادية حمادة الشمري
عدد المشاهدات : 162

حاصرت التكنولوجيا المجتمعات المعاصرة؛ لأنّها أثّرت في كلّ مظاهر الحياة اليومية وتفاصيلها، وباتت بمنزلة الأوكسيجين اليومي لتسيير كلّ أمور الحياة العملية والترفيهية والاجتماعية والتربوية، من ضمنها الكتب! فأصبح في متناولنا نوعان من الكتب: كتب ورقية وكتب رقمية. عن مكانة الكتاب الورقي أمام الكتاب الإلكتروني، وهل لا تزال قراءة الكتاب الورقي مترسّخة في بنية مجتمع العصر التكنولوجي، التقت مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام) بمجموعة من قرّاء الكتب الورقية، منهم: إشارات حسّية تحمل إيلاف الأمين/ طالبة ماجستير تربوية: بين يديها كتابًا لبس تصميمًا وورقًا جديدًا استعدادًا منها للإجابة، وقبل أن تُجيب تتحسّس الكتاب بيدها وتقول بأنّ العلاقة بيني وبين الكتاب علاقة أنس تشدّني لأهرب من ضوضاء الحياة، ففي القراءة الورقية تخفيف من الضغط النفسي، وإشغال لجميع الحواسّ، حتى أصل إلى الشعور برائحة الورق التي لها إحساس محبّب ومريح للنفس. وقراءة الكتاب الكامل تفتح مجالًا أكبر للتأمّل وترتيب الأفكار وتقييمها بعيدًا عن السرعة في المطالعة، وبخاصّة الكتب الأدبية والثقافية، التي تحتلّ المرتبة الأولى بكلّ ما فيها من غنًى فكري وجمالي، وتجعلني أعيش أدقّ تفاصيل الحقبة الزمنية للكاتب، والعالم الذي يشيّده من فكر مضيء ومتجدّد؛ ليُخرج لنا أفكارًا مضيئة تقف حاجزًا أمام عالم التقليد، هنا تكمن مدى قوة الكاتب في جذب فكر القارئ؛ ليكتشف البقايا الغامضة لما يقرأ عن طريق التوق المعرفي. المشهد الثقافي تؤكّد زينب كوثراني/ قاصّة: على أنّ الاهتمام بتصفّح المواقع الإلكترونية لا يهدّد الكتب الورقية فحسب، بل مُختلَف المطبوعات الورقية، لذا علينا الاهتمام بمعارض الكتب التي تصرّ على أن تعود للكتاب الورقي مكانته المرموقة، عن طريق التلاقي الشخصي بينه وبين قارئه، وعرض محتوياته المهمّة، وتسليط الضوء على مختلف الاتجاهات الفكرية، وهو أمر مهمّ حتّى لا نعيش انقطاعًا عن ثقافات وتجارب واتجاهات فكرية جديدة، وتُضيف بأنّه ممّا‏ لاشكّ فيه أنّ التحدّيات التي يواجهها الكتاب الورقي تتطلّب السعي لإيجاد أفكار وبدائل تدعم مكانة الكتاب الورقي في ضمن المشهد الثقافي، والحيلولة دون تراجعه. معطيات وتبيّن منى مصطفى/ مدرّسة اللغة العربية: أنّه يمكننا الاستعانة بالوسائل الرقمية لزيادة جاذبية الكتاب الورقي، وتوفير سبل الدعاية له، وزيادة قوته التنافسية، بما يضمن تسويقًا لائقًا به، بخاصّة في ضمن الأوساط الشبابية التي تهتمّ بالرقميات أكثر من اهتمامها بالمطبوعات، وباتت تُشكّل هاجسًا وإدمانًا لديها، مثلما أنّ اهتمام المعارض بالكتب الإلكترونية لا أجده يتعارض مع الاهتمام بالكتاب الورقي، بل إنّه يمكن الاستفادة من ميزات الكتاب الإلكتروني لدعم الكتاب الورقي،‏‏‏ وعموما، ليس الأنترنت وحده مَن يشكّل خطورة على الكتاب الورقي، بل هناك الكثير من معطيات مجتمعنا، بخاصّة في ظلّ الظروف الحالية، وما نعانيه من تدهور في أنماط المعيشة، والانشغال بمقوّمات الحياة الأساسية، وعدم توافر الظروف الاقتصادية المناسبة للارتقاء الثقافي.‏‏‏ رؤىً من جهته أوضح السيّد رياض عبد الله/ مدرّس، قائلًا: لا ينبغي أن نغفل عن أهمّية المتابعة والاستمرارية في قراءة الكتاب حتى نهايته، لما تولّده القراءة من حالة معرفية، تبدأ بالفرد ومن ثمّ تزداد رقعتها فيجعلها تنسحب على الوعي الجمعي، الأمر الذي يولِّد فعلًا ثقافيًا يرتبط بسلوك حضاري، لا نحتاج في ضمن معطيات الظرف الحالي للدلالة على أهمّيته، فعمل القراءة يمنحكَ عقلًا جدليًا وفكرًا ناقدًا، وذهنًا وقّادًا، مثلما يمنحكَ فرصة لتفكيك السائد وإعادة طرح مختلف البنى الراسخة من وجهة نظر تحديثية نقدية، النتيجة التي نطمح إليها فكرًا نيّرًا للجيل القادم، وقبول الحوار والوصول إلى نتائج تبلور الرؤى الفكرية والتوجّهات الحياتية.. ‏‏‏ صناعة الإنسان يجد د.عليّ الحجيمي/ طبّ عام: من أنّ جيل الشباب، يشكّل القاعدة الفكرية الضامنة لصناعة وعي ذاتي مختلف يتيح الفرصة أمام الإنسان؛ ليكتشف علاقته بذاته وبالآخر، من أجل صناعة إنسان مستقبلي متصالح مع الماضي، فإن نجحنا في تشكيل هذه النُخَب الجديدة لن يتمكّن المأجورون من تفريغ عقولها وضخّ بدائل تحاصرنا بقمعها وبوحشيتها، ولكن في الوقت ذاته تحتاج هذه النُخَب إلى مجتمعات تؤمن بها وبدورها، نُخَب لا تخشى أن تقول ما تفكّر به، ولا تفكّر باعتناق ما يلائم الأقوياء فقط، لتعيش ازدواجية مخرّبة!‏‏‏ نُخَب تؤمن بمسارات الوعي والفكر، لا تضطرب أمام عواصف التغيير، وتدرك كيف يمكن للوطن حينها أن يحتمي بنخبه الفكرية، بدون تبديل للقيم الإنسانية الحقيقية. اقتناء ثمين نور محمّد وهّاب/ مهندسة، تبيّن: أنّ الكتب الورقية كانت منذ الأزل ولا تزال حتى يومنا هذا هي الوسيلة الأكثر فاعلية في نقل المعلومات الحقيقية والصحيحة، وتواردها من المصادر الرئيسة للمعلومات، حيث يخضع الكتاب إلى الرقابة والمتابعة والتنقيح والطباعة، ويُنتج كتابًا رسميًا صحيحًا يستند القارئ عليه في معلوماته، أمّا بالنسبة إلى الكتب الإلكترونية، فهي بغضّ النظر عن حداثتها، لكنّ هناك أمورًا تقف حائلًا بيني وبين الإلكتروني، فتحفّزني لأنْ أقتني الورقي، منها: 1. أن تكون المعلومات المطلوبة مشتّتة ولا يستطيع القارئ فهم المحتوى. 2. إنّ الكتب الإلكترونية لا تتوافر دائمًا، إلّا عند الحصول على الطاقة -أي خدمة محدودة- بحيث إذا كان الشخص القارئ أو طالب العلم على عجلة من أمره، وغير متوافر أحد الشرطين، فلا يستطيع الحصول على معلوماته التي يحتاج إليها. وتبيّن نور من وجهة نظرها: أجد أنّ للكتب قيمةً معنويةً ونفيسةً (ثمينة)؛ لأنّ الكاتب قد قضى وقتًا طويلًا في جمع المعلومات، ووضع كلّ خبرته وجهده لتكوين الكتاب، فأنتَ تعيش مع الكاتب كلّ لحظاته. عندما تريد أن تتواصل مع المبدعين، فعليكَ أن تقرأ، فهم في كتبهم يحاربون قيم البشاعة الملتصقة عنوة بالبشر، فيها نُعطى فرصةً لاعتناق الأفكار التي تدلّنا على حياة مغايرة؛ لننهض بالمجتمع وننأى عن كلّ ما يحيط بنا من طبقات الجهل، وإلغاء الفكر المتعصّب فما تزال القراءة الورقية غوايتها أزلية..