القَلبُ يَنبُوعُ الحِكمَةِ

فاطمة صاحب العوادي/ بغداد
عدد المشاهدات : 196

اختيار القلب من بين أجزاء البدن مُستقرًّا للعقيدة، يدلّ على عظم هذه المضغة التي هي في البدن، وبعبارة أخرى يمكن القول إنَّ الله جعل أعظم ما في البدن مستقرًا لأعظم ما في الدين، ولكن قيمته يحدّدها أن يكون القلب سليمًا، فالقلب يمكن أن يشعّ بنور الإيمان والتقوى، ويمكن أن يكون مطبقًا بالظلمة بسبب كثرة المعاصي والذنوب؛ فالقلب يشعّ نورًا بالطاعات والعبادات والأعمال الصالحة، ويكون مظلمًا عندما يكون صاحبه غارقًا في الذنوب والسيّئات. والمراد بالقلب في هذه الآية: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء: 88،87) ليس البَضعة الصنوبريّة الشكل المودَعة في الجانب الأيسر من الصدر، وإنّما اللطيفة الربّانية الروحانية المتعلّقة بهذا القلب، ويُعبَّر عنها بالقلب تارةً، وبالنَّفْس أخرى، وبالروح ثالثة. ومجلس هذا اليوم يركّز على هذه الحقيقة التي يغفل عنها الكثير من الخلق، والنقطة التي ينفرد بها أنّه مجلس في رحاب سيّد شباب أهل الجنّة (صلوات الله عليه). بهذه الكلمات افتتحت أمّ عليّ مجلس الثلّة الطيبة: أمّ جعفر: نعم، والله هو كذلك. أمّ حسين: من المؤكد أنّ شعوري عند دخول العتبة المقدّسة يحاكي مشاعركنّ، بل إنّ كلّ المؤمنين المحبّين يشعرون مثلي، إنّنا وبلا مبالغة ندخل روضة من رياض الجنّة. أمّ زهراء: في كلّ زيارة لهذا المشهد المطهّر، يرافقني إحساس أنَّ قلبي يكبر حتَّى يسع العالم، كل مرَّة أشعر أنّه ينتعش، ويستبشر كأنّه يولد من جديد. أمّ جعفر: كيف لا يكون كذلك؟! وهذا المكان المقدّس هو أمان لأهل الأرض ومصباح الهدى، والقلوب السليمة تحثّ الخُطا نحو هذه المشاهد؛ فهي بوّابة النجاة في الدنيا والآخرة. أمّ عليّ: وهي -إن شاء الله تعالى- دلالة على سلامة القلب، فقد رُوي عن النبيّ الأكرم محمّد (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "لا يَصدُرُ عنِ القَلبِ السَّليمِ إلّا المَعنى‏ المُستَقيمُ"(1)، فأهل البيت (عليهم السلام) هم الطريق المستقيم المؤدّي إلى رضا الله تعالى. أمّ جعفر: لو تدبّرنا آيات الكتاب الكريم، والأحاديث الشريفة فسنجد اهتمامًا كبيرًا لدور القلب في تقييم الإنسان عند الحساب، مثلما قال الله تعالى: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء: 88-89)، وفي آية أخرى يثني الله تعالى على ذوي القلوب المنيبة، ويبشّرهم بالجنّة التي وعدهم بها: (مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ) (ق: 33). أمّ زهراء: أحسنتم، ومنها قول الرسول الأعظم محمّد (صلّى الله عليه وآله): "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ"(2). أمّ حسين: هل بيَّنت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة أساليب تنقية القلب حتَّى نحافظ عليه من الشوائب والأرجاس التي يبثّها الشيطان وجنوده - أعاذنا الله تعالى -؟ أمّ زهراء: نعم، فمنها أن يكون عملنا عن علم ويقين وخالص لله تعالى، فقد فسَّر الإمامُ الصّادقُ (عليه السلام) معنى القلب السليم ‏- في قولِهِ تعالى‏: (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) - بقوله: "القَلبُ السَّليمُ الذي يَلقَى‏ رَبَّهُ، وليسَ فيهِ أحَدٌ سِواهُ، وكُلُّ قَلبٍ فيهِ شِركٌ أو شَكٌّ فهُو ساقِطٌ "(٣). أمّ عليّ: كذلك من أساليب حياة القلب كثرة التفكّر في آيات الله سبحانه، مثلما ورد عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) أنّه قال: "عَلَيْكُم بالفِكْرِ؛ فإنَّهُ حَيَاة قَلْبِ البَصِير، ومَفَاتِيحِ أبْوَابِ الحِكْمَة "(4). أمّ جعفر: ولا شك في أنَّ ذكر الله سبحانه والشعور بقربه منَّا، ومراقبته لنا، خاصّة في الخلوات هي من موجبات حياة القلب، ويبعث الطمأنينة فيه، والبصيرة والرقّة، مثلما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "الذِكرُ نورُ العُقولِ، وحياةُ النُّفوسِ، وجَلاءُ الصُّدورِ"(٥). أمّ حسين: ولا ننسى أهمّية اختيار الصديق والرفيق الذي له الأثر الكبير في حياة القلوب، فإنّ الأصدقاء يؤثر بعضهم في بعض؛ لذا ينبغي اختيار مَن يذكّرنا بالله تعالى، ويعيننا على عمل الخير، فعن الإمام عليّ (عليه السلام) أنّه قال: "مُعاشَرَةُ ذَوي الفَضائلِ حَياةُ القُلوبِ"(٦). أمّ عليّ: فلنحافظ على سلامة قلوبنا، حتى تكون مشعّة بنور الإيمان والهدى، ومحبوبة عند ربّنا تعالى بفعل الطاعات والصالحات، وبذلك نكون من أصحاب القلوب السليمة؛ وخير القلوب القلب السليم، وليكن ختام دعائنا أن يكون اجتماعنا في مرضاة الله تعالى، وأن لا نرتكب ما يُصدئ القلب. أمّ زهراء: وأنّها لنعمة كبيرة تستحقّ الحمد والشكر أن نجتمع معًا في مشاهد يحبّها الله تعالى، ونسأله سبحانه دوامها. الجميع يهمهم بالشكر والحمد، ثمّ اتخذت كلّ واحدة من الثلّة الطيّبة مكانًا للعبادة والذِكر. ................................... (1) غرر الحكم: ص10874. (2) جامع أحاديث الشيعة: ج١٤، ص٢٦٢. (3) الكافي: ج2، ص16. (4) بحار الأنوار: ج78، ص115. (5) غرر الحكم: ص1999. (6) المصدر السابق: ص9769.