الحُبُّ الإلهِيّ طَرِيقُ السَّعَادَةِ

زينب عبد الله العارضيّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 137

تعدّدت تعاريفها، وتباينت طرق الخلق في تشخيص محلّها، ولكنّهم أجمعوا على حبّها والرغبة في نيلها، إنّها السعادة: حلم البشر في دار الممرّ، يقضون عمرهم بحثاً عنها، ويصرفون الأوقات والأموال في سبيلها، ويبوء أكثرهم بالخسران بعد إضاعة طريقها، وعدم طلبها من مظانّها. وقد أوضح الإسلام السبيل إليها، ورسم الطريق للحصول عليها، وبيّن أنّها تتحقّق في وصال المحبوب الأوحد، والتعلّق بالله الأحد، وأنّها لا ترتبط بالمادّة والجسد، فمتى تناغمت الروح مع بارئها، وحلّقت في عوالم الأنس بخالقها، صار صاحبها سعيدًا ولو كان مُكبّلًا، وغمرته ألوان السعادة وألبسته من جمالها حُللًا، ولو كان قابعًا في طوامير السجون وظلمات الزنازين، وتوالت عليه الرزايا وترادفت عليه ويلات الظالمين، فأُنسه بربّ العالمين يغمره بالسعادة والاطمئنان واليقين. فالسعادة لا تأتي إلّا من مصدرها وهو الله سبحانه، والإطمئنان لا يكون إلّا بذكره الموجب لرضوانه، وهيهات هيهات أن يصل إليها مَن كان بعيدًا عنه، مخالفًا لدينه، متنكّرًا لقرآنه، ولو ملك الدنيا وسجدت تحت أقدامه كلّ زخارفها، وقالت له بلسان حالها: إنّها طوع بنانه! فحري بالمؤمن أن يبحث عن السعادة في الدنيا والآخرة عن طريق الاتصال بخالقهما، والرجوع إلى شريعته التي ترسم الطريق إليهما، وتتكفّل بإيصال المريدين متى لجأوا إلى رحاب ربّ العالمين. ففي الدنيا يكون الحصول عليها عن طريق العمل الصالح، مثلما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 97)، وهي بدورها تمهّد للحصول على السعادة الدائمة في جنان الخلد، مثلما جاء في قوله تعالى: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(النحل: 37) ، فهذه نتيجة تترتّب على مقدّمة فحواها صلاح العبد في الدنيا وارتباطه بخالقه. وحتّى نصل إلى السعادة الدائمة فلا بدّ من: ١- الإيمان بالله تعالى: فبالإيمان يُرتقى إلى ذروة الحبور؛ لأنّه يمنح العبد الاطمئنان والسكينة، ويمنعه من الانزلاق في مستنقع الانحراف والفجور. ٢- محاسبة النفس وتهذيبها: فالسعيد حقًّا مَن كشف عللها وأمراضها، ودأب على معالجتها، ولم يخدع نفسه بالسكوت عنها أو غضّ الطرف عن أخطائها، فبذلك ينال العبد السعادة في دنياه وآخرته، مثلما يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "مَن حاسَبَ نَفسَهُ سَعِدَ"(1). ٣ -الجدّ والاجتهاد: فلا سبيل لنيل السعادة إلّا بالجدّ والعمل، والسعي الدؤوب في مرضاة الله عزّ وجلّ. ٤- مخالطة الصالحين: فعن رسول الله (صلّى الله عليه و آله) : "أسعد الناس مَن خالط كرام الناس‏"(2)، فالكرام يعينون مَن لجأ إليهم للوصول إلى السعادة، ويحثّونه على الإكثار من الصالحات وتحرّي الإخلاص في العمل والعبادة، والتمسّك بهدي الأئمة القادة (عليهم السلام)، والأخذ عنهم لتفتح أمامه آفاق الارتقاء والتكامل والريادة. ............................... (1) ميزان الحكمة: ج، ص281. (2) ميزان الحكمة: ج4، ص410.