شعاعُ المَدرسَةِ الجَعفرِيَّةِ وأبعادُهُ فِي تَرصينِ الحَياةِ الأُسرِيَّةِ

عُلا محمّد الكربلائي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 124

يأخذ الفرد صفاته الأولى التي يؤسّس عليها مستقبله من أسرته التي ينطبع بطابعها، ويتأثَّر بسلوكها وأفعالها؛ فهي أقدم مؤسّسة للتربية، فعلى الرغم من تعدّد المؤسّسات التربوية إلَّا أنّها الأهمّ والأقوى تأثيرًا في نمط حياة الفرد؛ إذ تؤدّي دورًا مهمًّا في التربية، وتحديد الأهداف وفقًا للرؤية التي تحملها تلك الأسرة؛ ولذلك فإنَّ للأسرة دورًا مهمًّا في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وعلومهم ومعارفهم تؤكّد على ضرورة تعليم الطفل وتربيته على الآداب منذ الصغر، والتركيز على كثير من المفاهيم التربوية، وأساليب التعامل فيما بين أفراد العائلة، ولو نظرنا وتأملنا في زاوية المدرسة الجعفرية لوجدنا سلسلة من المفاهيم الحقيقية في تربية الفرد، وانتشاله من براثن الضياع، والظلام الحقيقي الذي يعيشه البعض بسبب عدم تطبيق الأحكام الشرعية، وهذه السلسلة تبدأ بالتدريج في التربية، فنجد على سبيل المثال الحديث عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) قال: "إنّا نَأْمُرُ صِبْيانَنا بِالصَّلاةِ إذا كانُوا خَمْسَ سِنينَ فَمُرُوا صِبيانَكُمْ بِالصَّلاةِ إذا كانُوا بَني سَبْعِ سِنينَ، وَ نَحْنُ نَأْمُرْ صِبْيانَنا بِالصَّوْمِ اِذا كانُوا بَنى سَبْعِ سِنينَ بِما أطاقُوامِنْ صِيامِ الْيَوْمٍ، فَمُرُوا صِبْيانَكُمْ إذا كانُوا بَني تِسْعِ سِنينَ بِالصَّومِ مَا اسْتَطاعُوا مِنْ صِيامِ الْيَوْمِ، فَإذا غَلَبَ الْعَطَشُ أفْطَرُوْا"(1). وهذا التدرّج هو المعيار الحقيقي في التربية في سنوات العمر المختلفة التي بيّنتها كثير من أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، وبشكل مفصَّل. لذا تعدّ هذه الزاوية مهمّة في ترصين الحياة الأسرية، وحمايتها وتقوية دعائمها بالشكل الصحيح. وهنا قد يسأل سائل ما الترصين؟ وكيف تحصل عليه الأسرة عند تطبيق ما جاء في المدرسة الجعفرية؟ وجواب ذلك أن الترصين لغويًا مثلما ورد في المعجم الوسيط (رَصَنَهُ) رَصْنًا: أَكْمَلَه وأَحْكَمَهُ. فنفهم من ذلك أنَّ ترصين الأسرة يعني الجدّية والاتِّزان وإكمال دورها في صنع أفراد صالحين، أصحاب أهداف سامية. أمَّا كيف تحصل عليه الأسرة؟ إنَّ التطبيق والتفعيل هنا مشروط بالمعرفة والمداومة، فالأسرة التي تنهل منذ بداية تكوّنها من فيض العترة الطاهرة (صلوات الله عليهم) يكون أساسها قائمًا على التقوى والصلاح، وهذا بدوره سيخلق أسرة متكاملة تربويًا وروحيًا وخلقيًا عند سقيها بمكارم أخلاق العترة الطاهرة (عليهم السلام)، لكن هذا السقي بحاجة إلى التوكل على الباري (عزّ وجلّ) ورعاية منه تعالى؛ لذا نجد الإمام زين العابدين (عليه السلام) في موقف رائع يبيّن فيه أهمّية استمداد تأديب الأولاد من الله (عزّ وجلّ)، فيقول (عليه السلام): "... وَأَعِنِّي بِهِمْ عَلَى حَاجَتِي، وَاجْعَلْهُمْ لِي مُحِبِّينَ وَعَلَيَّ حَدِبِينَ مُقْبِلِينَ مُسْتَقِيمِينَ لِي، مُطِيعِينَ غَيْرَ عَاصِينَ وَلَا عَاقِّينَ وَلَا مُخَالِفِينَ وَلَا خَاطِئِينَ . وَأَعِنِّي عَلَى تَرْبِيَتِهِمْ وَتَأْدِيبِهِمْ وَبِرِّهِمْ"(2). فالمسؤولية تكون كبيرة على الآباء مع مجيء الأبناء إلى عالم الدنيا، بل وحتَّى عند انعقاد النطفة وتكوّن الحمل. وليس الأبناء هم فقط محور الأسرة، وإنّما دعائمها الأمّ والأب، ولن تكون هذه الأسرة جعفرية إن لم يطبّق الأبوان الزاد المقدَّم للأبناء، وهنا تكمن أهمّية التخلّق بالأخلاق الفاضلة للأبوين، والاختيار الصحيح قبل الزواج من قبل الطرفين، والاستمرار بتطبيق أحكام الشريعة والسنّة المطهّرة لأهل البيت (عليهم السلام) لخلق أسرة قوية؛ لا تهزّها الرياح، ولا تذهب بها إلى أيّ جانب مهما كانت سرعتها وقوتها. ................................ (1) الكافي: ج3، ص409. (2) الصحيفة السجّادية: ج1، ص37.