رياض الزهراء العدد 177 لحياة أفضل
الأَقلامُ: رَسَائِلُ كونِيَّةٌ
كثيرةٌ هي البروج الواصلة إلى السماء، وليس القلم هو البرج الوحيد، فالدعاء مثلًا هو السهم الأسرع وصولًا، وكذا دعوة المظلوم هي الأخرى قادرة على اختراق حجب السماوات السبع؛ لتصل إلى معدن النور. لكن تبقى للقلم سطوته الخاصّة، وسحره الأخّاذ، على عاتقه يحمل رسالة التغيير، وفي مداده روح تنبعث لتشكيل مفاهيم جديدة لمعالم حضارة أكثر رقيًا، وأكثر إنسانية. إنَّ ما يعوزنا ليس التطوّر وأشباهه، وليس ينقصنا العلم بمختلف صنوفه وتوجّهاته؛ ما ينقصنا هو الإنسانية. قال الله تعالى: أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (الرعد: ١٧). ونحن اليوم بأمسّ الحاجّة للبحث عمّا ينفع الناس، ويصبّ في خدمتهم، وينتشلهم من دائرة الضياع والمتاهة. هناك الكثير من القضايا ذات البعد الإنساني، وهو القاسم المشترك بين بني البشر، وكلَّما كانت أقلامنا تحثّ الخُطا نحو هذا الهدف، فستكون الأقرب إلى المصداقية وإلى الأخذ بأسباب التقدّم والرقي وبناء الإنسان. وكذلك كثيرة هي الأعمال الأدبية التي سجّلت حضورًا ملفتًا في عالم الأدب، بقيت بصمة لأصحابها، ما ذُكرت في مكان إلَّا وذُكروا معها، ستظلّ عصية على النسيان طالما أنّها تهتمّ ببناء الإنسان، وتدعو إلى خير البشرية. فالأقلام التي حقّقت النجاحات، واخترقت الآفاق، مدادها معين الخير الكامن في فطرة الإنسان، ولنتساءل: هل تجدون أحدًا يكره الصدق، ويحبّ الكذب مثلًا؟ لا أبدًا.. لن تعثروا عليه، ولو بحثتم عنه لألف سنة مُقبلة، لماذا؟ لأنّ فطرة الإنسان تهوى الخير، وتميل إليه، بل وتدّعيه. إلَّا أنّ المفارقة الأكثر إيلامًا أنّنا نحبّ الله تعالى، ولكن نعصيه، ونبغض إبليس إلّا أنّنا نطيعه في بعض الأحيان.