رياض الزهراء العدد 177 الحشد المقدس
إحدَى الحُسنَييْنِ
عندما تسمو الغاية يصغر في سبيلها البذل، وكلّما تطلّعنا إلى العطاء وجدناه عظيمًا، فما أعظم الغاية أذًا! من دون تردّد ومداهنة، سارع الرجال إلى تلبية فتوى الدفاع الكفائي، عازمين على تقديم الأرواح والأموال والأولاد، فلأيّ غاية يطمحون؟ وأيّ هِمَم يحملون؟ وأيّ قلوب رفرفت في صدورهم صوب النار والحديد، تاركين خلفهم السكن والراحة والأهل؟! لقد صدق قول الله تعالى فيهم: مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (الأحزاب: 23)، فحين صدقت النوايا وصلحت، صلح العمل، وزادهم الله بركةً وتأييدًا، يحرسهم دعاء مولاتهم الزهراء (عليها السلام)، ويصحبهم تسبيح صاحب الزمان (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، إذ بهم وببطولاتهم قرّت عينه. مقتدين بـعليّ (عليه السلام) في شجاعته، ويرفعون راياتهم بهمّة عبّاسية، يجيش في صدورهم يوم الحسين (عليه السلام) فيهرعون طلبًا لثأره، وذودًا عن مرقده وحرم مدينته. قائدهم عالم جليل، بأمره يأتمرون، ولرأيه منصتون طائعون، فهو منبع من منابع الحكمة، ووليّ من أولياء الله الذين تواضعوا لله فرفعهم، وجعل ذكره على لسان العالَم من أقصى الأرض إلى أقصاها، كلّهم ينبهر بسماحة طبعه، وسداد رأيه ومدى حكمته، وحُسن تدبيره، ناصحٌ أمين، وراعٍ لليتامى والمساكين، مَن اهتدى برأيه دخل حَرَم الضوء، وأبصر طريقه ناجيًا من ضلال الفتن، ومَن خالفه عاش متخبّطًا تحرّكه الأهواء وتتلاعب به المنافع، خسر الدنيا والآخرة. فرجال الحشد الحقّ، وأبناء الفتوى اللذين جمعتهم كلمته، وأدّبتهم وصاياه، في أيّ موقع كانوا، فكلّ بلادنا جبهات، وللعدوّ ألف لون وثوب ووجه. وما دامت الغاية واحدة، إمّا النصر وإمّا الشهادة، فليضاعف في سبيلهما العطاء والبذل، فلعلّ الله يكرّم عباده الصابرين بجمع الحسنيين، الأمن والنصر والخير في الدنيا، وحسن لقائه ومرافقة أوليائه في الآخرة، فهو القائل سبحانه: إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ (آل عمران: 160)، وهو نعم المولى ونعم النصير.