الكِتَابَةُ بَينَ الهَدَفِيَّةِ والاستِعرَاضِ

أفنان عادل الأسديّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 143

مع تزاحم المجلّات والكتب، وسهولة النشر في فضاءات الواقع الافتراضي، كثرت الكتابات وقلّ الكتّاب! إنّ غاية الكتابة تندثر، وروحها في أفول بطيء، هي اليوم محاولات تائهة لزجّ الخزين اللغوي، وإقحام للكلمات الجزلة في استعراض غثيث؛ لإبراز عضلات مدّعي الكتابة. لقد فُقدت الهدفية في هذه العمليات الفاشلة، وأعلن ممارسها إفلاسه، إذ لم يُصب كبد المنفعة، فما الطائل من حروف منمِّقة وسطور مزركشة وُضعت في أوراق مبهرجة، فلم تجد مشتريًا يقتنيها أو معجبًا ينبهر بحسنها! وهذا لا يعني أن نكتب بلغة جوفاء أو قاموس مطروق، فمن الجميل أن نزيّن كتاباتنا بألفاظ عربية فصيحة، تُذكي في القارئ الرغبة في معرفة معناها؛ ليبدأ مغامرة في البحث والتقصّي، فلا بدّ من أن نتحرى الوسطية في المزاوجة بين الهدفية وجمالية النصّ، فلا تغلب الغرابة على كلماتنا لدرجة تبعد القارئ عن المعنى المراد إيصاله، فيتيه في صحراء الغموض، وفي الوقت ذاته لا تهبط في وادٍ ضحل من الثقافة، فيسود الملل ويعلو الضجر. إنّ الكتاب الذي تحتضن دفّتيه بشغف لابدّ من أن يومض فيكَ بريق الأفكار الجديدة، ويستثير كوامن إبداعكَ، يهمس لكَ بلحن عذب، يذيقكَ بعض اللذّة، ثمّ يصعقكَ لتستفيق من أحلامكَ الوردية لتحقّقها، فما أندر هذه الكُتب في عصرنا وما أعزّ كتّابها!! وسائل العلم متاحة، وسبله واضحة، وحياضه مترعة، فعلى مَن يود الانضمام إلى ركب المؤلّفين أن يجهد نفسه في تحصيله؛ كي لا يضلّ الطريق، ففي ذلك مضيعة للوقت والجهد، أصغِ بقلبكَ، واقرأ ما كتبته بعينٍ غير عينكَ، وانقد ما دوّنته يداكَ بحزم القضاة قبل أن تجيز لفرسكَ الانطلاق في مضامير الكتابة. إنّ العبارات العصيّة على الفهم لا تعني أنّ كتابتكَ نخبوية، ولا تعني أنّكَ كاتب فذّ، لقد تكلّم الأنبياء والأولياء (عليهم السلام)، وهم سادة البلاغة وأمراء الكلام ومعلمو الأمم بلغة سهلة واضحة قريبة في زمانهم، فأوصلوا رسالات السماء كي لا يكون لأحد حجّة عليهم. الكتابة وحي ورسالة وهدف، فمَن لم يحمل شعار الفائدة، لا يعدو أن يكون مستأكلًا بها بصفتها مهنة، متاجرًا بأفكار مبهمة، متلاعبًا بالحروف من غير إتقان، وما كلماته إلّا خوار في جسد ميّت!!