رياض الزهراء العدد 177 منكم وإليكم
اِستجدَاءُ الإِعجَابِ
هل شعرتِ ذات يوم أنّ استخدام مواقع التواصل الاجتماعي يسبّب لكِ الضيق والاكتئاب؟ هل التفاعلات في هذه المنصّات تُقلّل من شعور السعادة لديكِ، وترفع من طاقتكِ السلبية؟ أخذت التفاعلات في مواقع مثل: (Facebook وInstagram وYouTube) أشكالًا مختلفة من التحكّم في المستخدم، سواءٌ كانت مادية أو معنوية، ترجع أسبابها إلى هوس الناس بشأن قيمة هذه التفاعلات، والكمّ الكبير من الاهتمام الذي يضيفه لهم إعجاب أو تعليق جديد، حتى بات تعليق أو إعجاب واحد يتسبّب في تغيير سلوكيات المجتمع بأسره، فمَن كان يتوقّع أنّ لمسة واحدة على شاشة هاتفٍ ذكي قد يكون لها كلّ هذا التأثير؟! دراسات وأبحاث كثيرة كرّست جهودها بشأن هذا الأمر، أطبّاء نفسيّون، متخصّصون في علم الاجتماع وعلم النفس السلوكي، اهتّم جميعهم بتحليل كلّ شيء يرتبط بالتواصل الاجتماعي وآلياته. رأى بعضهم أنّ الثورة التكنولوجية تُعدّ نعمة ذات أثر نفعي إيجابي أكبر من كونه سلبيًا، ومنهم من رأى أنّ وسائل التواصل الاجتماعي كانت سببًا في الكثير من المشاكل النفسية، وحالات الاكتئاب، والهوس نتيجةً لسياسة هذه المواقع التي تعتمد على ربط المستخدمين بها لأطول وقت ممكن. لسنا بصدد إنكار المنافع التي توفّرها التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، وأنّ تداخل هذه المنصّات مع حياتنا اليومية والعملية وإسهاماتها في الكثير من الجوانب التعليمية والثقافية هو أمرٌ لا يُمكن إلّا أن يُشاد به، ولعلّ من أكبر هذه التأثيرات هو ربط العالم، وتسهيل التقارب الاجتماعي بين الأفراد، وكأنّ الجميع يجلسون في مقهىً واحد، في مكانٍ واحد، ويستطيع الوصول لأيّ فرد في أيّ بقعة من العالم، وأدّى هذا التشابك العالمي إلى كسر الحواجز، وتحطيم الحدود، وتسهيل الحياة بشكلٍ واضح. التساؤل الأكبر هنا: أين تكمن المشكلة؟ المشكلة هي اكتشاف ترابط كبير بين زيادة حالات الاكتئاب وبين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وظهرت دراسات كثيرة أكّدت على التأثير السلبي لهذه المنصّات في الصحّة النفسية، منها حالات من القلق النفسي والإدمان والعزلة وانعدام الثقة بالنفس، وأكّدت دراسات أخرى على التقليل من استخدام منصّات مثل: (Facebook وInstagram) بوصفها إحدى الوسائل العلاجية للتقليل من أثر الأمراض النفسية. تختلف اهتمامات الأشخاص وأهدافهم من متابعة هذه المنصّات، وعلى أساسها تختلف نسب تأثيرها فيهم من الناحية النفسية، فمنهم مَن يقتصر اهتمامه على متابعة صفحات وحسابات نافعة ومحدودة، ومنهم مَن يدع المنصّة ذاتها تسلبه قدرة التحكّم، فيما يتابع وينساق وراء متابعة آلاف الأشخاص، والتركيز في أنماط حياتهم ومراقبتهم، ثمّ مقارنة ما يراه المستخدم بحياته الخاصّة. ينشغل الناس في هذه المواقع بتكوين صورة مثالية عن أنفسهم، والظهور بأحسن نسخة ممكنة، ومن ثمّ التسوّل للحصول على إعجاب الآخرين وتفاعلهم، وقد يصل كثيرون إلى طرق تثير الشفقة والسخرية للحصول على هذا التفاعل، وهنا تبدأ مقارنة لا نهائية بين حياة مملّة فقيرة بائسة خارج حدود شاشة الهاتف، وحياة ملوّنة ممتعة ومترفة داخل حدود هذه الشاشة. والخُلاصة لكلّ ما ذُكر: لو كانت قيمة الفرد تتحدّد بعدد الإعجابات أو المتابعين، فسوف تغدو الحياة مستحيلةً، يملؤها الزيف والنفاق، فليسأل كلّ منّا نفسه: لماذا نستخدم هذه المنصّات؟ للتسلية فقط أم للفائدة؟ إن كان الأمر ينحصر بالتسلية فحسب، فأنتِ تقضين وقتًا مطوّلًا أمام الشاشة، تطلبين التسلية وأنتِ مكتئبة، فيتحوّل الأمر إلى أن يُتسلّى بكِ وتصبحين أداةً لتحقيق التطوّر الذي تحتاجه هذه البرامج! يحتاج الأمر إلى التفكّر، وتحسين جودة المحتوى المُتابع الذي يحوّلكِ إلى كائن منتفع وسعيد، لا العكس.