أُمُّ البَنينَ (عليها السلام) وَحديثُ الأَذرُعِ

عبير عباس المنظور/ البصرة
عدد المشاهدات : 135

امرأة تجلّلتْ بكنف العصمة، ودخلت في دائرة الضياء، وأُترعتْ منها نورًا حتّى الارتواء؛ لتغدو أنموذجًا واقعيًا للرجال والنساء على حدّ سواء في نصرة إمام الزمان. هي فاطمة بنت حزام الكلابية، الملقّبة بأمّ البنين، لها مع الأذرع حديث وشجون وترقّب، بدأ منذ أن: "رأت أمّ البنين في بعض الأيام أنّ أميرَ المؤمنين (عليه السلام) أجلس أبا الفضل (عليه السلام) على فخذه، وشمّر عن ساعديه، وقبّلهما وبكى، فأدهشها الحال؛ لأنّها لم تكن تعهد صبيًّا بتلك الشمائل العلوية ينظر إليه أبوه ويبكي من دون سبب، ولمّا أخبرها أمير المؤمنين (عليه السلام) بما سيحدث لهذين اليدين من القطع في نصرة الحسين (عليه السلام) بكت وأعولت، وشاركها مَن في الدار في الزفرة والحسرة، غير أنّ سيّد الأوصياء (عليه السلام) بشّرها بمكانة ولدها العزيز عند اللّه جلّ شأنه، وما حباه عن يديه بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل ذلك لجعفر بن أبي طالب، فقامت تحمل بشرى الأبد والسعادة الخالدة"(١). على الرغم من صعوبة الموقف عليها بصفتها أمًّا، إلّا أنّ ذلك استُبدل في اللحظة نفسها ببشرى أبدية، وسعادة خالدة حينما علمت أنّ ذراعي وليدها ستكون فداءً لإمام زمانه وزمانها، حينها أتمّت المسيرة بالبشرى ذاتها، ووطّنت نفسها وأولادها لفداء إمام زمانها بأيّ ثمن، بقيت فاطمة تطالع ذراعي العبّاس لسنوات وتتأمّلهما جيدًا، فتارة تذرف دمعًا، وأخرى تنزف عشقًا وولاءً لمحمّد وآل محمّد (صلّى الله عليه وآله) حتى كبر أبو الفضل (عليه السلام) واشتدّ ساعده، وازداد ترقّب فاطمة، حتى حان يوم قطافها قربانًا من قرابين الولاية الحقّة، واستُبدلت بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة مع عمّه جعفر بن أبي طالب (عليه السلام)، وحتى بعد واقعة الطفّ لثلاث سنين متتالية وأمّ البنين (عليها السلام) ظلّت ترقب ذراعي العبّاس (عليه السلام) عند زيارتها للقبور الرمزية التي صنعتها للحسين وأولادها (عليهم السلام)، فعندما تجثو على قبر العبّاس (عليه السلام) تشعر بذراعيّ ولدها تحنو عليها وتضمّها لتهدأ من فجيعتها، حتّى حانت اللحظة التي ترحل فيها فاطمة إلى بارئها، شعرت بالحنين إلى تلك الأذرع الحانية للعبّاس (عليه السلام) وإخوته، التي تمنّت أن تمسح عن جبينها تصبّب عرق المنيّة، والعين والروح ترنوان إلى كربلاء، حيث شاطئ العلقمي في لحظة مناجاة وأمنية أن تحمل جناحا العبّاس (عليه السلام) روحها إلى الجنّة في مقعد صدق عند مليك مقتدر. ........................................ معجم أنصار الحسين (عليه السلام)، الهاشميّون: ج١، ص١١٣ - ١١٤.