بَعضُ الأَفكَارِ

خديجة عليّ عبد النبيّ
عدد المشاهدات : 141

أتفرّس الدنيا بعينين باحثتين عنها.. العينان ما أن يزداد منسوب الحنين فيهما حتّى يفيضا بالدمع! الراحلون عنّا لا يرحلون! حينما نذكرهم تُصاب أرواحنا بعطل مؤقت تمامًا، مثلما يحدث لكثير من الأجهزة، ونحن الجهاز الأعظم من حيث النشأة ودقّة الصنع، دائمًا ما كنتُ أتساءل: تُرى إلى أين تذهب الأرواح في هذا العالم ولاتزال الساعة غير قائمة؟! أين تختبئ؟ وهي باقية في عالم البرزخ الحاجز بين العالمين، هل باستطاعتها أن تتحوّل إلى ريح مشتاقة تمسّ وجه عزيز؟ إلى عصفور يطلّ على أحبّته من بعيد؟ قرأتُ يومًا في قصص الأطفال أنّهم يتحوّلون إلى نجمة تراقب أعزّاءها، والنجمة ما هي إلّا جرم سماوي انفجر وأفل منذ مئات السنين أو أكثر، ولم يتبقَّ منها سوى ضوئها الذي يصل إلينا، ومَن ماتوا هم أيضًا أفلوا، رحلت أجسادهم المادية، وبما أنّنا جُبِلنا على التواصل معًا، والتشارك في هذا العالم المؤقت بالماديات والحسّ، نرى بعينٍ من شحم، ونسمع بأذنٍ من عظم، ونتكلّم بلسان خُلِق من لحم، فإذن نحن مسجونون يا أصدقائي، ومسجونة مشاعرنا في هذا الجسم الترابي الطيني المكتوم. بعض الأشخاص يحبّون أن يبقوا وأن يعيشوا في جسد الضحيّة وقصّتها دومًا! لكلّ منّا قصّة قديمة حزينة ظُلِم فيها بأمر معيّن وبكيفية معيّنة ومقدار يحمله بين أضلعه من الألم، لا أحد خالٍ من صوت يصرخ في أعماقه إذا ما استثار وأيقظ الضحية التي فيه، مشهد ما، كلمة عابرة، مكان باقٍ، رائحة عطر أو حتى لحن حزين، كمَن يضيع في حلم لا يستطيع النهوض منه، نحن اَسْرى في هذه الحكاية العتيقة، وهنا تساورني بعض الأفكار، منها: ربّما هذا الشخص لا يجيد أن يؤدّي في الحياة سوى هذا الدور، لا شخصية ولا كيان يمثّله سواه، فإن خرج منها فإلى أين يذهب؟ ومَن تُراه سيكون أمام الآخرين؟ عدم التشافي من هذا الفعل يأكل صاحبه لا محالة!